خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلِاسْتِغْنَاءُ بِالْحَلَال
25.05.2023أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
يُبَيِّنَ لَنَا اَللَّهُ كَيْفَ نَنَالُ رِضَاهُ فِي كِتَابِهِ اَلْعَظِيمِ . اَلشَّرْطُ اَلْأَدْنَى فِي رِضَى اَللَّهِ اِجْتِنَابُ اَلْحَرَامِ . ضَرُورَةُ اَلْإِيمَانِ بِالِابْتِعَادِ عَمَّا حَرَّمَ رَبُّنَا ، وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا أذن بِهِ . قَالَ رَبُّنَا فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾. مِنْ هَذَا نَفْهَمُ أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ مَسْؤُول عَنْ كُلِّ مَا يَدْخُلُ جَسَدَهُ . يَجِبَ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ اَلْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ وَمَا يَدْهُنهُ عَلَى بَشَرَتِهِ وَشِعْرِهِ حَلَالاً وَنَظِيفًا .
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَنْبَغِي أَلَّا نَنْسَى أَنَّ اِخْتِبَارَ اَلْبَشَرِيَّةِ بَدَأَ بِالْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ اَلْمُحَرَّمَةِ . لِأَنَّ اَللَّهَ قَالَ لِآدَم وَزَوْجَتِهِ: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. يُخْبِرُنَا رَبُّنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّ آدَم وَزَوْجَتَهُ أُخْرِجَا مِنْ الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ أَكَلُا مِنْ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي حَرَّمَها اَللَّهُ عَلَيْهِما . وَبِذَلِكَ تَجَاوَزا حُدُودَ اَللَّهِ . إِنَّ اِخْتِبَارَ آدَم عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ يُظْهِرُ لَنَا أَنَّ اَلْإِنْسَانَ يَجِبُ أَنْ يُطْعِمَ جَسَدَهُ ( اَلَّذِي مَنَحَهُ اَللَّهُ إِيَّاهُ أَمَانَةً ) مَا أَذِنَ بِهِ اَللَّهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ . ذَاتَ يَوْمٍ «ذَكَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ، أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يا رب، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وغُذِيَ بِالْحَرَامُ، فَأنِّى يُسْتَجَابُ لَهُ»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ اَلْحَيَاةَ اَلْحَلَالَ تَعْنِي اَلتَّسْلِيمَ لِمَا أَذِنَ اَللَّهُ بِهِ وَالِاسْتِسْلَام لِلْحُدُودِ اَلَّتِي وَضَعَهَا اَللَّهُ . هَذَا اَلِاسْتِسْلَام يُقَوِّي اَلرَّابِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّنَا . تَجَاوُزُ حُدُودِ اَللَّهِ يَضُرُّ بِالْعَلَاقَةِ اَلَّتِي بَيْننَا وَبَيْنَ رَبِّ اَلْعَالَمَيْنِ . وَيَنْبَغِي عَلَى اَلْمُؤمنِ أَنْ يَهْتَمَّ بِهَذَا اَلرِّبَاط وَيَشْعُرَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ هَذَا اَلرِّبَاط بِأَنْ يَعِيشَ بِالْحَلَالِ . وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ نَبِيَّنَا اَلْحَبِيبَ قَالَ : «إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَام » مِنْ وَاجِبِ اَلْمُؤمنِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا لَيْسَ مُتَأَكِّدًا مِنْهُ ( اَلشُّبُهَاتُ ) . مِنْ مُسْتَلْزَمَاتِ اَلتَّقْوَى تَجَنُّبُ اَلشُّبُهَاتِ فَاَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُتَّقِينَ .
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ اَلْأَمْرُ بِالْعَيْشِ اَلْحَلَالِ ، يَجِبُ أَلَّا يَتَبَادَرَ إِلَى اَلذِّهْنِ اَلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فقط. بَلْ اَلطُّرُقُ اَلَّتِي نَسْلُكُهَا لِلْعَيْشِ فِي حَيَاتِنَا لَا تَقِلُّ أَهَمِّيَّةً عَنْ ذَلِك. يُعَلِّمُنَا دِينُ اَلْإِسْلَامِ أَهَمِّيَّةَ اَلْكَسْبِ مِنْ خِلَالِ اَلْوَسَائِلِ اَلْحَلَالِ وَأَنَّ اَلْعَيْشَ بِهَذِهِ اَلطَّرِيقَةِ ضَرُورِيٌّ لِلسَّلَامِ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . يَلْجَأَ اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلنَّاسِ إِلَى وَسَائِلَ اِحْتِيَالِيَّةٍ وَغَيْرِ قَانُونِيَّةٍ لِكَسْبِ اَلْمَزِيدِ مِنْ اَلْمَالِ . يَنْصَحُنَا دِينُ اَلْإِسْلَامِ بِأَنْ نَكُونَ صَادِقِينَ وَمُخْلِصِينَ فِي جَمِيعِ مَجَالَاتِ اَلْحَيَاةِ . اِحْتِرَامُ حُقُوقِ اَلنَّاسِ وَالصِّدْقِ وَتَجَنُّبِ اَلتَّبْذِيرِ شَرْط لَا غِنًى عَنْهُ فِي اَلْأَخْلَاقِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ . علينا اَلْحِفَاظُ عَلَى حَيَاةِ حَلَالٍ وتَجَنُّبِ الْإِسْرَاف. عَدَمُ اَلتَّوَازُنِ فِي اَلتَّغْذِيَةِ يُسَبِّبُ أَمْرَاضًا فِي اَلْجِسْمِ ، وَالْإِفْرَاطُ فِي اَلْإِنْفَاقِ وَعَدَم اَلِادِّخَارِ يُسَبِّبُ أَمْرَاضًا رُوحِيَّةً . يُمْكِنَ أَنْ تَكُونَ اَلْأُبَّهَةُ وَالتَّبَاهِي عَلَامَةَ اَلِاعْتِمَادِ اَلْمُفْرِطِ عَلَى اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ . يَجِبَ أَنْ نَتَجَنَّبَ اَلْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ ، خَاصَّةً فِي اَلْأَوْقَاتِ اَلَّتِي نَقْضِيهَا فِي أَيَّامِ اَلْعُطْلِ ، وَنَحْنُ نَرَى اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْجُوعِ وَالْفَقْرِ وَالْهَدْرِ فِي اَلْعَالَمِ ، فَمِنْ وَاجِبِنَا نَحْنُ اَلْمُؤْمِنِينَ ، أَنْ نُحَوِّلَ مُدَّخَرَاتنَا إِلَى خَيْرٍ وَصَلَاح .
أَسْأَلُ اَللَّهُ أَنَّ لَا يَزِلَّ أَقْدَامَنَا عَنْ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنَ اَلَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي اَلْحَلَال .