خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلشُّعُورُ بِالْاِنْتِمَاءِ لَدَى الْمُسْلِم
24.03.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ، هُو الْكَائِنُ الْوَحِيدُ الَّذِي يَتَمَتَّعُ بِمَشَاعِرِ الْاِنْتِماءِ عَنْ وَعْيٍ مِنْهُ وَإِدْرَاك. حَتَّى إِنَّ أَيَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الشُّعُورَ بِالْاِنْتِمَاءِ إِلَى شَخْصٍ مَا أَوْ إِلَى أُسْرَةٍ أَوْ إِلَى مُجْتَمَعٍ مُعَيَّن. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ، فَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَشْعُرُ أَيْضًا بِالْاِنْتِمَاءِ إِلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ جُزْءٌ لَا يَنْفَصِمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة. وَيَتَمَحْوَرُ شُعُورُ الْاِنْتِمَاءِ لَدَى الْمُسْلِمِ حَوْلَ وَلَائِهِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِين. وَهُوَ بِذَلِكَ مَصُونٌ مِنْ أَنْ يَقَعَ ِفي الشُّعُورِ بِالْوَحْدَةِ، إِذْ قَدْ آمَنَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.[1] وَأَدْرَكَ أَنَّهُ يُشَكِّلُ مَعَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعَالَمِ وَحْدَةً وَاحِدَة.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُشَكِّلُ الشُّعُورَ بِالْاِنْتِمَاءِ لَدَى الْمُسْلِمِ هُوَ؛ وَعْيُهُ بِهُوِيَّتِه. فَإِنَّهُ إِذَا سَأَلَ نَفْسَهُ: مَنْ أَنَا؟ وَجَدَ الْجَوَابَ أَنَّهُ عَبْدٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ نَفَرٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ؐ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِين. وَالَّذِي صَاغَ هُوِيَّتَنَا هَذِهِ وَحَدَّدَهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسُه. فَنَحْنُ إِنَّمَا نُسَمِّي أَنْفُسَنَا بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ سَمَّانَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ الْاِسْم. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ اَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَٓا اِلَى اللّٰهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ اِنَّنٖي مِن الْمُسْلِمٖينَ﴾.[2]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إنَّ اللَّهَ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَسَمَّانَا بِالْمُسْلِمِينَ، قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُؤَدِّيَ حَقَّ هَذَا الْاِسْم. وَإِنَّ الْتِزَامَنَا بِالْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ فِي كُلٍّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اِمْتِثَالاً لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، هُوَ مِنْ أَبْرَزِ الْخَصَائِص اَلَّتِي تُشَكِّلُ شُعُورَنَا بِالْاِنْتِمَاء. وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى دِينِنَا، وَأَنْ نَأْتَمِرَ بِأَمْرِهِ وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، حَتَّى فِي أَصْعَبِ الظُّرُوف.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. ؐ: «جَاهِدُوا بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَمْوَالِكُم».[3] فَالسَّعْيُ لِمَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْخَيْرُ لِلْبَشَرِيَّةِ، بِكُلِّ مَا فِي الْقُدْرَةِ وَالْاِسْتِطَاعَةِ، أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لَا يُمْكِنُهُ إِهْمَالُه.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «اِتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَن».[4] فَعَلَيْنَا كَمُسْلِمِينَ أَنْ نَمْتَثِلَ لِأَمْرِهِ ؐ، وَأَنْ نَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا مَبَادِئَ فِي حَيَاتِنَا. عَلَيْنَا أَنْ نَعْمُرَ مَسَاجِدَنَا وَأَنْ نُحَافِظَ عَلَيْهَا. عَلَيْنَا أَنْ نَدْعَمَ مُؤَسَّسَاتِنَا الدِّينِيَّةَ، مِنْ مَدَارِسَ وَمَرَاكِزَ تَعْلِيمٍ وَدُورِ تَحْفِيظٍ، وَأَنْ نُسَاهِمَ فِي إِنْشَائِهَا وَإِعْمَارِهَا. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ نَحُثَّ إِخْوَانَنَا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. عَلَيْنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي أَنْشِطَتِنَا الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَأَنْ نُؤَدِّيَ وَاجِبَاتِنَا الْاِجْتِمَاعِيَّةَ، بِمُوجَبِ انْتِمَائِنَا وَوَلَائِنَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّة.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَصِّرَنَا بِوَاجِبَاتِنَا تِجَاهَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا إِلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهَا. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة الحجرات: 49
[2] سورة فصلت: 41
[3] سنن النسائي، كتاب الجهاد، 48
[4] سنن الترمذي، كتاب البر، 55
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – اَلشُّعُورُ بِالْاِنْتِمَاءِ لَدَى الْمُسْلِم