خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الوسطية والاعتدال في الحياة
26.12.2024
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْوَقْتُ هُوَ كَرَأْسِ الْمَالِ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْثَرِ النِّعَمِ الْقَيِّمَةِ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ. وَالْوَقْتُ لَا نَسْتَطِيعُ حِفْظَهُ وَلَا إعَادَتَهُ. كُلُّ لَحْظَةٍ وَيَوْمٍ وَسَنَّةٍ يَمُرُّ يَنْقُصُ مِنْ حَيَاتِنَا. لَقَدْ مَنَحَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِعْمَةَ الْوَقْتِ حَتَّى نَعْبُدَهُ وَنُطِيعَ أَوَامِرَهُ لِأَنَّ اللَّهَ بَعَثَنَا لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ وَيُذَكِّرُنَا بِذَلِكَ بِأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ امْتِحَانٍ. إضَاعَةُ نِعْمَةِ الْوَقْتِ الَّتِي رَزَقَنَا اللَّهُ بِهَا كَمِثْلِ صَرْفِ رَأْسَ الْمَالِ وَهَذَا يُشَكِّلُ تَعَدِّي الْحُدُودِ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فَقَطْ فِي سَلُوكِنَا، بَلْ عِنْدَمَا لَا نُرَتِّبُ وَقْتَنَا وَنُنَظِّمُهُ أَيْضًا. يُنَبِّهُنَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَقْتِ بِقَوْلِهِ: “ نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ. “
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عِنْدَمَا نَسْتَفِيدُ مِنْ وَقْتِنَا وَنَسَتَغِلُّهُ كَمَا يَنْبَغِي نَكُونَ قَدْ فَعَلْنَا مَا أُمَرَنَا اللَّهُ بِهِ. الْوَقْتُ وَالْعُمْرُ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ لَنَا لَا يُمْكِنُنَا تَجَاهُلُهُ وَإِضَاعَتُهُ. وَوَاجِبُنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا وفِمَا فَعَلْنَاهُ فِي الْمَاضِي، وَأنْ نُخَطِّطَ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَى. وَخَاصَّةً عِنْدَمَا يَبْدَأُ عَامّ مِيلَادِيٌ جَدِيدٌ يَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ بِأَنَّ الْعُمْرَ يُقَلَّلُ وَنَهْتَمَّ بِذَلِكَ أَكْثَرَ حَتَّى تَكُونَ حَيَاتُنَا كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَنَكُونَ مِنَ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
عِنْدَمَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ مَسْؤُولِيَّاتَهُ تِجَاهَ رَبِّهِ وَنَفْسِهِ وَمَنْ حَوْلَهُ يَكُونُ قَدْ عَرَفَ حُدُودَهُ. وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألَا هلكَ الْمُتَنَطِّعونَ ألَا هلَكَ المتنطِّعونَ، ألَا هلكَ المتنطِّعونَ» وَالْمُتَنَطِّعُونَ هُمْ الْمُتَعَمِّقُونَ الْمُغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ” وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِذَلِكَ وَضَّحَ لَنَا أَثَرَ تَجَاوُزِ الحُدُودِ فِي الْمُجْتَمَع. وَلِأَجْلِ الفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَجِبُ اسْتِغْلَالُ الْوَقْتِ بِشَكْلٍ مُثْمِرٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ إنْسَانٍ قُدْرَةً مُخْتَلِفَةً. وَلِذَلِكَ كُلُّ إنْسَانٍ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَقُدُرَاتِهِ وَمَسْؤُولِيَّاتِه، وَيُنَظِّمَ حَيَاتَهُ، وَيَسْتَغِلَّ وَقْتَهُ بِشَكْلٍ مُثْمِرٍ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ وَيُذَكِّرُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا خُلِقَ بِتَوَازُنٍ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ التَّوَازُنِ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَغِلَّ وَقْتَهُ بِشَكْلٍ مُثْمِرٍ لِيَصِلَ لِلْحِكْمَة مِنْ خَلْقِهِ.
إنَّ إضَاعَةَ الوَقْتِ وَاسْتِغْلَالَهُ فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ يَكُونُ تَجَاوُزًا لِلْحَدّ.
وَشَرْطًا أَسَاسِيًّا لِكَيْ تَعِيشَ حَيَاةً تُرْضِي اللَّهَ ألَّا تَتَجَاوَزَ حَدَّك، لَيْسَ فَقَطْ فِي الْوَقْتِ وَالْحَيَاةِ، بَلْ أَيْضًا فِي الْكَسْبِ وَالْإِنْفَاقِ. وَمِنْ وَاجِبِنَا بِجَانِبِ الْكَسْبِ الْحَلَالِ ألَّا نُهْدِرَ هَذَا الرِّزْقَ دُونَ مُشَارَكَتِهِ مَعَ الْمُحْتَاجِين. لِأَنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا الْوَقْتَ وَالرِّزْقَ فَيَجِبُ أَنْ نَسْتَغُلَّهُمَا بِالشَّكْلِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ، وَيُؤَصِّلُنَا لِلْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ. فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَكْسِبُ وَنَصْرِفُ مَالَنَا بِمَا يُرْضِي اللَّهَ نَكُونُ قَدْ حَقَّقْنَا التَّوَازُنَ فِي الْحَيَاةِ فِي كُلِّ الْمَجَالَات.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الرِّزْقَ الْحَلَالَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاتَهُمْ وَيُنْفِقُون مِنْ رِزْقِهِمْ فِيمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.