خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الحفاظ على البيئة

30.05.2024
Kur'an Sayfası Tesbih Ahşap

«الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ اللهَ الْخَالِقَ الْعَظِيمَ خَلَقَ العَالَمَ مِنَ الْعَدَمِ. فِي هَذَا الكَوْنِ الَّذِي نَحْنُ عَاجِزُونَ عَنِ اكْتِشَافِ أَسْرَارِهِ خَلَقَهُ اللهُ فِي أَحْسَنِ صُوَرِهِ لِعِبَادِهِ. أَعْطَى اللهُ هَذِهِ الدُّنْيَا أمَانَةً لِبَنِي آدَمَ الَّذِي جَعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ لِإِحْيَائِهَا وَبِنَاءِهَا. وَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَةَ عَلَى السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبَالِ فَاَبَيْنَ اَنْ يَحْمِلْنَهَا وَاَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْاِنْسَانُؕ اِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاًۙ﴾ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى البِيئَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا بِالْحُبِّ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُرَاعِيهَا. وَأَوْصَانَا اللهُ وَأَرْشَدَنَا إِلَى الاِبْتِعَادِ عَنِ الْإِسْرَافِ وَالْاِسْتِغْلَاَلِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي اِسْتِخْدَامِ المَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ، كَمَا أَمَرَنَا بِهَذِهِ الرِّعَايَةِ فِي بَقِيَّةِ كَلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

الطَّبِيعَةُ الَّتِي أَمَرَنَا اللهُ بِحِمَايَتِهَا وَحِفْظِهَا رَأَى الْإِنْسَانُ بِأَنَّهَا مُلْكُهُ. اِسْتَغَلَّ الْإِنْسَانُ البِيئَةَ مِنْ خِلَاَلِ الْاِسْتِفَادَةِ مِنَ الطَّبِيعَةِ بِاِسْتِهْتَارٍ، وَاسْتَخْدَمَ الْمَوَارِدَ الطَّبِيعِيَّةَ بِعَدَمِ اِهْتِمَامٍ لِلطَّبِيعَةِ. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ اَيْدِي النَّاسِ لِيُذٖيقَهُمْ بَعْضَ الَّذٖي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) نُشَاهِدُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ظَهَرَتْ فِي الوَاقِعِ، وَبِسَبَبِ ضَرَرِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْؤُولٍ تُجَاهَ الطَّبِيعَةِ وَالْبِيئَةِ اِخْتَلَّ تَوَازُنُ الطَّبِيعَةِ، وَوَقَعَتْ كَوَارِثٌ بِيئِيَّةٌ. وَحَدَثَتْ تَغَيُّرَاتٌ مُنَاخِيَّةٌ، وَغَمَرَتْ المِيَاهُ الْأَرَاضِي الزِّرَاعِيَّةَ الخِصْبَةَ، وَتَلَوَّثَ الْهَوَاءُ الَّذِي نَتَنَفَّسُهُ بِسَبَبِ انْبِعَاثَاتِ الْكَرْبُونِ، وَبَدَأَتْ تُسَبِّبُ الْعَوَاصِفُ وَالْأعَاصِيرُ الْوَاقِعَةُ إِلَى مَوْتِ النَّاسِ، وَأَصْبَحَتِ القِمَمُ الْجَلِيدِيَّةُ الْقُطْبِيَّةُ مُعَرَّضَةً لِخَطَرِ الذَّوَبَانِ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

بِنَاءً عَلَى التَّقْريرِ الَّذِي نَشَرَتْهُ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ فَإِنَّهُ نَتِيجَةُ تَلَوُّثِ الْبِيئَةِ الطَّبِيعِيةِ دُونَ حِسَابٍ وَاِهْتِمَامٍ، يَتَسَبَّبُ إِلَى مَوْتِ مِلْيُونٍ وَنِصْفِ طِفْلًا تَحْتَ سِنِّ الْخَامِسَةِ كُلُّ سَنَةٍ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مَوْتَ رُبْعِ عَدَدٍ مِنَ الصِّغَارِ الَّذِينَ تَحْتَ سِنِّ الْخَامِسَةِ هُوَ بِسَبَبِ ظُروفِ تَلَوُّثِ الْهَوَاءِ وَالْمِيَاهِ وَالصَّرْفِ الصِّحِّيِّ. الْإِنْسَانُ يَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَيَبْنِي فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الطُّرُقِ وَالْإعْمَارِ، بَيْنَمَا يَبْنِي الْإِنْسَانُ وَيَعْمُرُ الْأرْضَ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الاِسْرَافِ وَالتَّدْمِيرِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَاوِلَ السَّعْيَّ جَاهِدَا فِي إِصْلَاحِ الطَّبِيعَةِ وَتَطْوِيرِهَا قَدْرَ الْإِمْكَانِ. وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَجِّعُنَا عَلَى هَذَا بُقولِهِ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ دِينَنَا لَا يُوصِينَا بِالْحِفَاظِ فَقَطْ عَلَى الْبِيئَةِ، بَلْ يَحْتَاجُ مِنَّا كَمُسْلِمِينَ أَنْ نَكُونَ حُمَاةً وَأَوْصِيَاءَ عَلَى الْبِيئَةِ. عَنْ أبي هُريرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعونَ أو بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً: فأفضلُها قولُ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأدْناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمانِ» وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى المَرْءِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُزْعِجُ الْآخَرِينَ فِي كَلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَيَنْبَغِي عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ هَدَفُهُ الْاِعْتِنَاءَ بِالْأَشْجَارِ، وَالْمِيَاهِ، وَالْهَوَاءِ، وَالطَّبِيعَةِ، وَلَيْسَ إِلَى اِسْتِغْلَاَلِهَا. إِنَّ رَمْيَ الْقُمَامَةِ فِي الشَّارِعِ، وَتَلْويثَ الْبِيئَةِ لَا يَلِيقُ بِالْأَخْلَاَقِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَهَذَا يُعْتَبَرُ عَدَمَ اِحْتِرَامٍ لَأَنْفُسِنَا وَلِلْبِيئَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا. بِسَبَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي نُلَوِّثُهَا سَيُكُونُ الْآخَرُونَ غَيْرَ مُرْتَاحِينَ، وَسَيَفْسُدُ الْجَمَالُ الطَّبِيعِيُّ لِلْبِيئَةِ. وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْبِيئَةِ وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا. اللَّهُمُّ اُرْزُقْنَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ آمِينَ

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

فِي الْيَوْمِ السَّادسِ وَالْعِشْرِينَ ٢٦ مَايُوَ قَصَفَ الْجَيْشُ الإِسْرَائِيلِي مُخَيَّمَاتِ اللَّاجِئِينَ فِي رَفَحِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ كَمِنْطِقَةٍ آمِنَةٍ مِنْ قِبَلِ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ وَالْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ، حَيْثُ يَعِيشُ سُكَّانُ غَزَّةَ الْمَظْلُومُونَ الَّذِينَ دُمِّرَتْ بُيُوتُهُمْ، وَبِهَذَا السَّبَبِ نَزَحُوا إِلَى رَفَحٍ. وَبِسَبَبِ هَذَا الْقَصْفِ رَأْيَنَا وَصَدْمَنَا بِمَقْتَلِ الْعَشَرَاتِ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ الأَبْرِيَاءِ مِنْهُمْ الْأَطْفَالُ وَالرُّضَّعُ وَكِبَارُ السِّن.

اللَّهُمَّ نَسْتَوْدِعُكَ أَهَالِي غَزَّةَ وَفِلَسْطِينَ، فَانْصُرْهُمْ وَاحْفَظْهُمْ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَارْبُطْ عَلَى قَلُوبِهِمُ، وَأَمُدَّهُمْ بِجُنْدِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ

سَكِينَتَكَ، وَسَخِّرْ لَهَمْ الْأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الحفاظ على البيئة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com