خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَّسَانُدُ وَالْأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِيَّة
23.02.2023أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ الْإِنْسَانَ كَائِنٌ اِجْتِمَاعِيٌّ مُحَمَّلٌ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّاتِ تِجَاهَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ فِي الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيه. وَعَلَى رَأْسِ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ؛ اَلتَّعَاوُنُ وَالتَّسَانُدُ مَعَ إِخْوَتِهِ الْمُسْلِمِين. لِذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْاِهْتِمَامُ بِمَا يَدُورُ وَيَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلاَمِيِّ وَمُسَانَدَةُ الْمُسْلِمِينَ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا أَيْنَمَا كَانُوا مِن أَرْضِ اللَّهِ؛ مِنْ أَهَمِّ وَاجِبَاتِنَا الدِّينِيَّة.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْأُخُوَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ فِي لُبِّهِ قَائِمٌ عَلَى التَّعَاوُنِ وَالتَّسَانُدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمُشَارَكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي أَحْزَانِهِمْ وَفِي أَفْرَاحِهِم. وَالزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلُّهَا مِنْ مَظَاهِرِ هَذِهِ الْحَقِيقَة. وَلَقَدْ كَوَّنَ النَّبِيُّ ؐ لَدَى الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْوَعْيَ وَالشُّعُورَ بِالْآخَرِ، عَنْ طَرِيقِ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالِاشْتِرَاكِ فِي حَمْلِ الْجَنَازَاتِ، وَالْأَخْذِ بِيَدِ الضَّعِيفِ، وَنُصْرَةِ الْمَظْلُوم. وَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ اَلَّذينَ اسْتَقْبَلُوا الْمُهَاجِرِينَ أَجْمَلَ اسْتِقْبَالٍ وَسَانَدُوهُمْ بِكُلِّ الطُّرُقِ، فَسُمُّوا لِذَلِكَ بِالْأَنْصَارِ؛ هُمْ أَجْمَلُ نَمُوذَجٍ تَطْبِيقِيٍّ لِهَذَا الْوَعْيِ الْإِسْلَامِيّ. قَالَ ؐ: «اَلْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».[1] وَقَالَ أَيْضًا: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه».[2]
وَكَذَلِكَ نَبَّهَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ إِلَى أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الرَّابِطَةِ وَتِلْكَ الْمَسْؤُولِيَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِين. فَأَمَرَنَا سُبْحَانَهُ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمَدَحَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَعْصِمُ الَّذِينَ يَتَوَاصَوْنَ بِالْحَقِّ وَبِالصَّبْرِ، وَأَمَرَنَا بِالْاِسْتِبَاقِ فِي الْخَيْرَات.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ إِلَى مَدِّ يَدِ الْعَوْنِ لِإِخْوَانِنَا الْمُحْتَاجِينَ فِي سَائِرِ أَنْحاءِ العالَم. وَذَلِكَ بِفَضْلِ دَعْمِكُمْ وَمُشَارَكَتِكُمْ فِي جَمِيعِ حَمَلَاتِ الْإِعَانَةِ وَالْأَعْمَالِ الْخَيْرِيَّة. وَبِذَلِكَ وُفِّقْنَا إِلَى حَفْرِ الْآبَارِ فِي بِلَادٍ حُرِمَ أَهْلُهَا مِنْ الْمِيَاهِ، وَإِلَى مُسَاعَدَةِ كَثِيرٍ مِنْ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ اضْطُرُّوا إِلَى اللُّجُوءِ وَالْهِجْرَةِ مِنْ أَوْطَانِهِمْ، وَإِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي إِعْدَادِ الْمَوائِدِ لِلْفُقَرَاءِ عَنْ طَرِيقِ شُنَطِ التَّمْوِينِ، وَإِلَى اِحْتِوَاءِ وَدَعْمِ الَّذِينَ خَسِرُوا كُلَّ مَا يَمْلِكُونَ فِي الفَيَضَانَاتِ، وَإِلَى تَنْفِيذِ الْمَشَارِيعِ التَّرْبَوِيَّةِ لِتَنْشِئَةِ الْأَجْيَالِ القَادِمَة. وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِ دَعَوَاتِكُمْ وَمُسَاعَدَاتِكُمْ إِلَى إيْصَالِ كَافَّةِ اللَّوَازِمِ لِإِخْوَانِنَا الْمُتَضَرِّرِينَ مِنَ الزَّلَازِل. فَقَدْ تَمَّ إيْصَالُ الْعِيَادَةِ الْمُتَنَقِّلَةِ، وَالْمَطْعَمِ الْمُتَنَقِّلِ، وَشُنَطِ التَّمْوِينِ، وَسَائِرِ اللَّوَازِمِ الْأُخْرَى إِلَى إِخْوَانِنَا فِي مَنَاطِقِ الزِّلْزَال. فَتَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْكُمْ وَجَزَاكُمْ خَيْرَ الْجَزَاء.
أَوَدُّ أَنْ أَخْتِمَ خُطْبَتِي بِقَوْلِ النَّبِيِّ ؐ: «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِه، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَة».[3]
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَرِّجَ هَمَّ إِخْوَانِنَا الْمُتَضَرِّرِينَ، وَأَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُمْ، وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا سَبَبًا فِي تَنْفِيسِ كُرَبِهِمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] صحيح مسلم، كتاب البر، 65
[2] صحيح مسلم، كتاب الذكر، 37-38
[3] صحيح البخاري، كتاب المظالم، 3
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَّسَانُدُ وَالْأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِيَّة