خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَفَاهُمُ الأُسَرِيٌّ

17.04.2025
Minber Ahşap

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ الْإِنْسَانَ فِي فِطْرَتِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى زَوْجٍ وَبَيْتٍ يَأْوِي إِلَيْهِ، وَإِلَى دَعْمٍ وَمُشَارَكَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَاهْتِمَامٍ، وَإِلَى سَكِينَةٍ وَرَحْمَةٍ. بِاخْتِصَارٍ مُحْتَاجٌ إِلَى أُسْرَةٍ يَكُونُ جُزْءً مِنْهَا وَيَنْتَمِي إِلَيْهَا. الْأُسْرَةُ كِيَانٌ مُتَكَامِلٌ عَمِيقٌ فِي مَعْنَاهُ. الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَالْأَوْلَادُ وَالْأَحْفَادُ وَالْأَقَارِبُ وَالْجِيرَانُ مِنْ الْأَفْرَادِ الْأَسَاسِيِّينَ فِي الْأُسْرَةِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ أَيْ إِنَّ الْعَائِلَةَ سَتْرٌ كَالثَّوْبِ، تَحْمِي وَتُجَمِّلُ. الْأُسْرَةُ لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي الْإِسْلَامِ، نَعِيشُ فِيهَا الْحُزْنَ وَالسَّعَادَةَ مَعًا. لِذَلِكَ فَإِنَّ الْأُسْرَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ عَلَاقَةٍ بَيْنَ أَفْرَادٍ، بَلْ هِيَ مَصْدَرٌ لِلْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ التَّوَاصُلَ هُوَ طَرِيقَةُ تَفَاهُمٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ. نُسَمِّيهُ بِالتَّوَاصُلِ لِأَنَّنَا نَفْهَمُ بِهِ مَنْ حَوْلَنَا. التَّوَاصُلُ هُوَ مُشَارَكَةُ هَذَا الْفَهْمِ مَعَ غَيْرِنَا وَنَقْلُ مَشَاعِرِنَا وَأَفْكَارِنَا وَكَيْفِيَّةُ التَّعَامُلِ مَعَ غَيْرِنَا. وَالتَّوَاصُلُ السَّلِيمُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ دُونَ أَنْ نُؤْذِيَ وَنَجْرَحَ أَحَدًا أَوْ نَتَأَذَّى وَنُحْرَجَ. وَالتَّوَاصُلُ أَحْيَانًا يَكُونُ بِالْكَلَامِ وَأَحْيَانًا يَكُونُ بِلَا كَلَامٍ؛ بِنَظْرَةٍ صَادِقَةٍ أَوْ ابْتِسَامَةٍ لَطِيفَةٍ أَوْ حَتَّى بِمَلَامِحِ الْوَجْهِ وَتَعَابِيرِهِ. الْأُسْرَةُ السَّعِيدَةُ لَيْسَتْ الَّتِي لَا تُوَاجِهُ أَيَّ مُشْكِلَةٍ، وَلَا الَّتِي تَخْلُو مِنْ النِّقَاشِ، بَلْ الْأُسْرَةُ السَّعِيدَةُ هِيَ الَّتِي تَمْلِكُ الْقُدْرَةَ عَلَى حَلِّ الْمَشَاكِلِ وَالْخِلَافَاتِ مِنْ خِلَالِ التَّوَاصُلِ السَّلِيمِ. 

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَأْمُرُنَا اللَّهُ بِأَنْ نَتَحَلَّى بِجَمَالِ الْقَوْلِ وَرِقَّةِ التَّعْبِيرِ وَحُسْنِ التَّعَامُلِ. إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي شَخْصٍ مَا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجَكَ أَوْ وَلَدَكَ أَوْ أَيَّ إِنْسَانٍ حَوْلَكَ فَلَابُدَّ مِنْ بِنَاءِ عَلَاقَةٍ إِيجَابِيَّةٍ مَعَهُ وَتَوَاصُلٍ سَلِيمٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الِاحْتِرَامِ وَالْمَوَدَّةِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَرْآنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ﴿وَمِنْ اٰيَاتِهٖٓ اَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ اَزْوَاجاً لِتَسْكُـنُٓوا اِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًؕ اِنَّ فٖي ذٰلِكَ لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ لَقَدْ جَعَلَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَسَاسَ الْأُسْرَةِ قَائِمًا عَلَى الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ. هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ تُشَكِّلَانِ لُغَةَ الْقَلْبِ. فَالْمَوَدَّةُ هِيَ الْمَحَبَّةُ، وَالرَّحْمَةُ هِي اللُّطْفُ وَالْحَنَانُ. التَّعْبِيرُ عَنْ الْحُبِّ وَالشُّعُورِ بِمَنْ حَوْلَكَ خُصُوصًا فِي أَصْعَبِ اللَّحَظَاتِ ذَلِكَ هُوَ سِرُّ نَجَاحِ الْأُسْرَةِ وَسَعَادَتِهَا. فَالْبَيْتُ الَّذِي تَسُودُهُ لُغَةُ الْقَلْبِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عُنْفٌ أُسَرِيٌّ أَوْ عَدَمُ تَوَاصُلٍ وَتَفَاهُمٍ، لِأَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تَمْلَأُهُ مَوَدَّةٌ، وَعَمَّتْ أَرْجَاءَهُ الرَّحْمَةُ لَا يُثْمِرُ إِلَّا سَكِينَةً وَسَعَادَةً.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

الْأُسْرَةُ الَّتِي تَسُودُ فِيهَا الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ لَا يَكُونُ فِيهَا عُنْفٌ. لَا يُوجَدُ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ أَنَا وَأَنْتَ، بَلْ نَكُونُ كُلُّنَا وَاحِدًا. بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ تَجِدُ الْخَيْرَ تَجِدُ السَّعَادَةَ، وَالْفَخْرَ، وَالدُّعَاءَ، وَالرَّحْمَةَ. وَلْنُنْهِ خُطْبَتَنَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي قُرْآنَاهُ فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ، قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأهْلِى»

 اللَّهُمَّ ارْزُقْ عَائِلَتَنَا الْمَوَدَّةَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالْوَفَاءَ، وَالصَّبْرَ، وَالْمَسْؤُولِيَّةَ. اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَامْلَأْ بُيُوتَنَا بِالْأُلْفَةِ، وَالْمَوَدَّةِ، وَالتَّفَاهُمِ، وَالصِّحَّةِ. اللَّهُمَّ أَبْعِدْ عَنْ بُيُوتِنَا الْكُرْهَ، وَالْفِتْنَةَ، وَالْخِيَانَةَ، وَالْفُرْقَةَ.

 آمِينْ

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَفَاهُمُ الأُسَرِيٌّ

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com