خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: البشرى العظيمة في الإسراء والمعراج

23.01.2025
Rahle Kur'an

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ مُكَافَأَةٌ وَمِنْحَةٌ، ومُعْجِزَةٌ رَبَّانِيَّةٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَتْ حَادِثَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ امْتِحَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِنَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَتُعَدُّ هَذِهِ الْحَادِثَةُ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَائِلِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ. وَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَعَلَّمَنَا بِهَا أَيْضًا طُرُقَ الْوُصُولِ إلَى ذُرْوَةِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَطُرُقَ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ. فِي حِينِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَ نَبِيَّهُ الصَّادِقَ الْأَمِينَ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ بَيَّنَ لَنَا أَيْضًا مَوْعِظَةً بِهَا. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ هُو اللِقَاءٌ مَعَ اللَّهِ، وَالْآخَرُ الِابْتِعَادُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَبَعْدَ أَنْ أَتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الرِّحْلَةَ الْمُبَارَكَةَ عَادَ إلَى بَيْتِهِ فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ عَادَ إلَى بَيْتِهِ أَخْبَرَ أَهْلَهُ بِمَا حَدَثَ. لَقَدْ آمَنَ بِهِ عَائِلَتُهُ وَأَصْحَابُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ مَكَّةَ أُثِيرُوا بِالدَّهْشَةِ عِنْدَمَا سَمِعُوا هَذِهِ الْوَاقِعَةَ. فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا امَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوهُ، وسَعَوْا بِذَلِكَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: أَوْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: أَوْ تُصَدِّقَهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاَثًا: «أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ –لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا– الْمُقْحِمَاتُ» إنَّ هَذِهِ النِّعَمَ الثَّلَاثَ الْعَظِيمَةَ تُوَضِّحُ لَنَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِحَادِثَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ أَهَمِّ نَتَائِجِ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ. فَهِيَ رُكْنٌ أَسَاسِيّ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَمِنْ بُشْرَى الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ أنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلْمُذْنِبِ كُلَّ ذَنْبٍ يَتُوبُ عَنْهُ. وَالْبُشْرَى الثَّالِثَةُ وَهِيَ اَخِرُ آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

بقولنا: ﴿اٰمَنَ الرَّسُولُ بِمَٓا اُنْزِلَ اِلَيْهِ مِنْ رَبِّهٖ وَالْمُؤْمِنُونَؕ كُلٌّ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَمَلٰٓئِكَتِهٖ وَكُتُبِهٖ وَرُسُلِهٖؕ﴾ أي نَتَذَكَّرُ الْوَفَاءَ بِعَهْدِنَا لِلَّه. وبقولنا: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَاَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَاِلَيْكَ الْمَصٖيرُ﴾ نَكُونُ خَاضِعِين لِلَّه، مُسْتَسْلِمِينَ أَمَامَ أَوَامِرِهِ. وَبِقَوْلِنَا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً اِلَّا وُسْعَهَاؕ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْؕ﴾ نَكُونُ قَدْ عَلِمْنَا مَسْؤُولِيَّاتَنَا وَوَاجِبَاتَنَا، وَبِهَذَا نُقَرِّرُ بِأَنَّ الْآخِرَةَ سَتَكُونُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ فَعَلْنَاهُ فِي الدُّنْيَا.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَبِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى اللَيْلَةَ الوَاقِعَةَ بَيْنَ يَوْمَيْ الأحَدِ وَالإِثْنَيْنِ الْقَادِمَيْنِ سَنُدْرِكُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ. فَلْنَلْتَحِقْ كُلُّنَا فِي الْبَرَامِج الَّتِي سَتُقَامُ فِي مَسَاجِدِنَا، وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِهَذَا الدُّعَاءِ “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”  أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهَا سَنَةَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. جُمْعَة مُبَارَكَةٌ

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: البشرى العظيمة في الإسراء والمعراج

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com