خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الأُخُوَّةُ فِي الْإِسْلَام
12.05.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ بَعَثَ نَبِيَّهُ ؐ بِدِينِ الْإِسْلَامِ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، قَدْ أَعْلَنَ أَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّهِ تَعَالَى، كُلُّهُمْ إِخْوَةٌ فِي الْإِسْلَام. قَالَ تَعَالَى: ﴿اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اِخْوَة﴾.[1] وَإِنَّ رَابِطَةَ الْأُخُوَّةِ هَذِهِ هِيَ الَّتِي أَوْجَدَتِ الْأُمَّةَ الْإِسْلاَمِيَّةَ، وَرَبَطَتْ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْحَاءِ الْعَالَمِ كُلَّهَا بِبَعْض، وَهِيَ الَّتِي تَكْفُلُ اِسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا. فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ تَعَالَى رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ ؐ نَبِيًّا وَرَسُولًا وَآمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَهُوَ أَخٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ لَوْنِهِ وَلُغَتِهِ وَعِرْقِهِ. وَفِي هَذَا قَالَ ؐ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».[2]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ مِنْ أَوَّلِ مَا فَعَلَهُ الْإِسْلَامُ لِتَأْسِيسِ رَابِطَةِ الْأُخُوَّةِ هَذِه، أَنَّهُ أَنْهَى الْخُصُومَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ آنَذَاك. وَأَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ مِرَارًا فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.[3] وَبِغَرْسِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْجَدَ الْإِسْلَامُ رَابِطَةَ أُخُوَّةٍ عَالَمِيَّةٍ تَتَخَطَّى حُدُودَ الْأَعْرَاقِ وَاللُّغَات. وَلَقَدْ كَانَ مِحْوَرُ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ وَلاَ تَزَالُ، هُوَ الْعَقِيدَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ النَّابِعَةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّة.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
مِنْ أَهَمِّ خَصَائِصِ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، أَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى حُبٍّ مُتَبَادَلٍ بَرِيءٍ مِنْ أَيِّ اعْتِبَارٍ لِمَصْلَحَةٍ خَاصَّة. وَالدَّافِعُ الْوَحِيدُ وَرَاءَ هَذَا الْحُبِّ، هُوَ الرَّغْبَةُ فِي نَيْلِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ شَرَعَ الْإِسْلَامُ عَادَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى بَعْض، بِغَرَضِ تَرْسِيخِ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِين. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُم».[4]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ الرَّابِطَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَأَوْلَاهَا الْإِسْلاَمُ اِهْتِمَامًا بَالِغًا. وَيَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا فِي هَذَا الْإِطَارِ أَنْ نَدْعَمَ بَعْضَنَا الْبَعْض، سَوَاءٌ مِنَ النَّاحِيَةِ الْمَادِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّة. عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِقَضَايَا الْمُسْلِمِينَ أَيْنَمَا كَانَتْ مِنَ الْعَالَم. وَأَنْ نُشْعِرَ إِخْوَانَنَا الضُّعَفَاءَ وَالْمَظْلُومِينَ بِأَنَّنَا مَعَهُمْ دَائِمًا وَلَا نَتَخَلَّى عَنْهُم. وَلْنَعْلَمْ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأُضْحِيَةَ، كُلَّهَا عِبَادَاتٌ تُرَسِّخُ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ بَيْنَنَا. فَعَلَيْنَا أَلاَّ نُهْمِلَ وَاجِبَاتِنَا هَذِه. وَمِنْ وَاجِبِنَا كَذَلِكَ فِي هَذَا الْإِطَارِ أَنْ نُصْلِحَ بَيْنَ إِخْوَانِنَا الْمُتَخَاصِمِيْن. فَإِنَّ تَأْسِيسَ الْوَحْدَةِ وَالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ السَّبِيلُ لِسِيَادَةِ الْحُبِّ وَالرَّحْمَةِ فِي الْعَالَم.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِيهِ، وَأَنْ يُدِيمَ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ بَيْنَنَا. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين!
[1] سورة الحجرات: 10
[2] صحيح البخاري، كتاب الأدب، 27؛ صحيح مسلم، كتاب البر، 66
[3] سورة آل عمران: 103
[4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، 93-94