خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الأيام الأخيرة، ليلة القدر
28.03.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
عِبَادَ اللَّهِ هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ؛ الشَّهْرَ الَّذِي صُمْنَا نَهَارَهُ، وَقُمْنَا لَيْلَهُ، وَتَقَرَّبْنَا الَى اللَّهِ وَزَكَّيْنَا أَنْفُسَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ. هَذِهِ اللَّيْلَةُ نُؤَدِّي فِيهَا آخِرَ صَلَاةٍ لِلتَّرَاوِيحِ، وَنَقُومُ لِآخِرِ سُحُورٍ لِنَخْتِمَ غَدًا أَخِرَ أَيَّامِ الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا رَمَضَانَ هَذَا، وَوَفَّقَنَا لِصِيَامِهِ وقِيامِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا.
تَعَلَّمْنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَقْوَى اللَّهِ، وَزَادَ وَعْيُنَا بِذَلِكَ. وَحَفِظْنَا جَوَارِحَنَا وَقُلُوبَنَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَابْتَعَدْنَا عَنْ الشَّهَوَاتِ، وَعَزَّزْنَا إِرَادَتَنَا بِالصَّبْرِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ، وَتَعَلَّمْنَا كَيْفَ نُزَكِي أَنْفُسَنَا أَمَامَ الْمُغْرِيَاتِ. فِي هَذَا الشَّهْرِ ازْدَادَتْ وَتَعَزَّزَتْ عَلَاقَتُنَا بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَرَأْنَاه واسْتَمَعْنَا إلَيْه، وَحَاوَلْنَا أَنْ نَفْهَمَهُ بإذْنِ الله. صَلَّيْنَا وَتَعَوَّدْنَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالذِّهَابِ لِلتَّرَاوِيحِ. فَذُقْنَا حَلَاوَةَ الْعِبَادَةِ الْجَمَاعِيَّةِ، وَاسْتَشْعَرْنَا برُوحِ الْأُخُوَّةِ وَالتَّآلُفِ. كَمَا أَنَّ رَمَضَانَ عَلَّمَنَا الْبَذْلَ وَالْعَطَاءَ، فَجَعَلَنَا نَمُدُّ يَدَ الْعَوْنِ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَنُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ خِلَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالصَّدَقَاتِ. فَأَحْيَيْنَا فِي قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ، وَسَعَيْنَا إِلَى مُسَاعَدَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. كَانَ رَمَضَانُ فُرْصَةً عَظِيمَةً لِلتَّوْبَةِ، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْعِبَادَاتِ اَلَّتِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ لَا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَمِرَّ عَلَيْهَا طَوَالَ العَامِ؛ لَانَ العِبْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَنْ يَجْعَلَنَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اَللَّهِ طَوَالَ حَيَاتِنَا، وَأَنْ نَجْعَلَ ذَلِكَ نَهْجًا فِي حَيَاتِنَا. فَكَمَا اعْتَدْنَا عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَلْنَحْرِصْ عَلَى أَلَّا نَهْجُرَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ. مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ عِبَادَةُ الصَّوْمِ، فَلْنَسْتَمِرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ رَمَضَانَ بِصِيَامِ النَّوَافِلِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَن صَامَ رمضانَ وأتبَعَهُ ستًّا من شوالٍ فكأنما صامَ الدهرَ.” فَصِيَامُ هَذِهِ الْايَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ يُضَاعِفُ الأَجْرَ. لِأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مُجَرَّدَ امْتِنَاعٍ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، بَلْ هُوَ تَهْذِيبٌ لِلنَّفْسِ، وَكَبْحٌ لِلشَّهَوَاتِ، وَتَذْكِيرٌ بِحَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَهُوَ سَبَبٌ لِصِحَّةِ الْأَبْدَانِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ. فَلْنَحْرِصْ عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ، وَلْنَجْعَلْ أَثَرَهَا فِي حَيَاتِنَا بَاقِيًا، لَا يَنْقَطِعُ بِانْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
فِي هَذَا الشَّهْرِ قُمْنَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ لِلْمُحْتَاجِينَ مِنْ خِلَالِ جَمْعِيَّتِنَا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ بَعْدُ فَلْيُبَادِرْ بِإِخْرَاجِهَا فَإِنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّـحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدٖينَۙ ﴿٩٨﴾ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقٖينُ﴾ فَلْنَحْرِصْ عَلَى الْوَفَاءِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَالْعِبَادِ.
إِنَّ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ. كَمَا يُسْتَحَبُّ لَنَا أَنَّ نَتَذَكَّرَ أَمْوَاتَنَا بِالدُّعَاءِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ. نَخْشَى أَنْ نَقَعَ بِغَفْلَةِ انْتِهَاءِ رَمَضَانَ فَلْنَحْرِصْ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي فَعَلْنَاهَا فِي رَمَضَانَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خمسُ ليالٍ لا تُرَدُّ فيهن الدعوةُ: أولُ ليلةٍ من رجبٍ، وليلةُ النِّصْفِ من شعبانَ، وليلةُ الجُمُعةِ، وليلةُ الفِطْرِ، وليلةُ النَّحْرِ” فَلْنُحَاوِلْ أَنْ نَسْتَغِلَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالْعِبَادَةِ وَنَسْتَفِيدَ مِنْ فَضَائِلِهَا ولْنُرتِّ بَرَامِجَ الْعِيدِ بِتَرْتِيبِ زِيَارَاتِ الْأَهْلِ، وَتَفَقُّدِ الْمَرْضَى، وَالْحِرْصِ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ، فَإِنَّ الْعِيدَ فَرْحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، فَلْنَكُنْ سَبَبًا فِي إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى قُلَوبِهِمْ. وَفِي خِتَامِ خُطْبَتِنَا، نَسْتَذْكِرُ الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ، حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِندَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ»
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْمَحْرُومِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَبَلِّغْنَا الْعِيدَ بِرِضَاكَ وَعَفْوِكَ، وَأَدْخِلْنَا فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.