خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الأشْهُرُ المُبَارَكَةُ الثَلاثَةُ
11.01.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
بِإتْمَامِنَا لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ أَمْسِ بَدَأْنَا الْيَوْمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمُبَارَكَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِيهَا رَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا هَذِهِ الْأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ. إنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُحِبَّ النَّبِيَّ بِقَلْبِه يَفْرَحُ بِمَجِيئِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَارَكَةِ عَنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، وَيَكونُ مُطْمَئِنَّا. إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ قُدْوَةٌ لَنَا؛ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى اللَّهِ، وَيَدْعُو فِي بِدَايَةِ هَذِهِ الشُّهُورِ الثَّلَاثَةِ: «اَللّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فيِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَان»
وَنَحْنُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُكَرِّرَ هَذَا الدُّعَاءَ، وَنُحَاوِلَ جَاهِدِينَ لِأَجْلِ تَقْوِيَةِ إيمَانِنَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ الْمُبَارَكَةَ هِي فِرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِإِرَاحَةِ أَنْفُسِنَا المُنْهَكَةِ مِن مَشَاغِلِ الْحَيَاةِ، وَفُرْصَةٌ لِلُّجُوءِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. إذَا استَغْلَلْنَا هَذِهِ الْفَتْرَةَ بِهَذَا الشُّعُورِ فَسَوْفَ نَنَالُ رَحْمَةَ اللَّهِ، وتَسْتَرِيحُ أنْفُسُنَا. الْأَدْعِيَةُ، وَالتَّوْبَةُ، وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَالْحَسَنَاتُ، ومُشَارَكَتُنَا اَحْزَانَ وَأَفْرَاحَ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي سَنَقُومُ بِها فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ لَن تَذْهَبَ سُدًى عِنْدَ اللَّهِ، بَلْ سَيُضَاعِفُهَا اللَّهُ أَضْعَافًا كَثِيرًا. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي نُقِلَتْ إلَيْنَا “فَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ رَخِيصَةً فَإِنَّ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ لَيْسَتْ زَائِدَةً عَنْ الْحَاجَةِ.” فَلْنَسْتَمِعْ إلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ جَيِّدًا لِنَسْعَ لِنَيْلِ رِضَى اللَّهِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَفِيدَ مِنَ الجَوِّ الرُّوحِيِ لِهَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهَا لِيِتَقَبَّلَ دُعَائَنَا، وَيَغْفِرَ ذُنُوبَنَا، وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَحْصُرَ عِبَادَتَنَا لِلَّهِ عَلَى أَوْقَاتِ مُعَيَّنَةٍ فَقَطْ. بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الشَّهْرِ وَالْيَوْمِ وَالسَّنَةِ كُلُّ لَحْظَةٍ نَقْضِيهَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قِيمَةٌ. يُحَدِّثُنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ قُدْسِي: “ قَالَ اللَّهُ: “يَا ابنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ “ إنَّ عِبَادَةَ الْعَبْدِ لِلَّهِ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَمِرَّ فِي مَسَاجِدِنَا وَجَمْعِيَّاتِنَا الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا دِينَنَا وَثَقَافَتَنَا خَاصَّةً فِي خِلَالِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ، وَنَحْنُ كَمُؤْمِنِينَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَلَّا نَبْتَعِدَ أَبَدًا عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” …عَلَيْكُمْ بالجَمَاعَةِ وإيَّاكُمْ والفُرقَةَ فإنَّ الشيطانَ معَ الواحدِ وهُوَ مِنَ الاِثنَيْنِ أبعَدُ مَنْ أرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَّنَّةِ فلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ… ” فَلْنَعْتَنِ بِمَسَاجِدِنَا الَّتِي هِيَ تَحْمِينَا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذُّنوُبِ وَكُلِّ مَا يُنْهِكُ نُفُوسَنَا، وَلْنُشَارِكْ فِي البَرامِجَ الَّتِي سَتُقَامُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ. يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (اُو۬لٰٓئِكَ جَزَٓاؤُ۬هُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْر۪ي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَارُ خَالِد۪ينَ ف۪يهَاۜ وَنِعْمَ اَجْرُ الْعَامِلين) وَبَشَّرَ بِأَنَّ أَعْمَالَنَا الصَّالِحَةَ سَيُجْزِينَا اللَّهُ عَلَيْهَا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
تُقَدِّمُ الْجَمْعِيَّةُ الأُورُبِيَّةُ لِبِنَاءِ وَتَعْدِيلِ الْمَسَاجِدِ الْمُسَاعَدَةَ لِسِتَّةِ عَشَرَ مَشْرُوعًا فِي تِسْعِ دُوَلٍ ضِمْنَ حَمْلَةِ “إنْفَاق” لِهَذَا الْعَامّ. وَعَبْرَ هَذِه الْمُسَاعَدَةِ يَتِمُّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَإِنْشَاءُ مَرَاكِزِ التَّعْلِيمِ لِكَيْ يَسْتَطِيعَ الأَجْيَالُ القَادِمَةُ تَعَلُّمَ دِينِهِمْ ويَتَرَبُّوا عَلَى الْعَقِيدَةِ وَلِكَي يُصْبِحُوا أَفْرَادًا مُفِيدِينَ لِلْمُجْتَمَعِ فِي الأَمَاكِنَ الَّتِي نَعِيشُ فِيها. وَاسْمُ حَمْلَةِ الْإِنْفَاقِ هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى “الْعَطَاءُ لِوَجْهِ اللَّهِ”. وَأَنْتُمْ لَا تَتَرَدَّدُوا مِن الدَّعْمِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِأَجْلِ هَذَا العَمَلِ المُهِمِّ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْ لَنَا هَذِهِ الْأَشْهُرَ الْمُبَارَكَةَ وَسِيلَةً لِلتَّقَرُّب إِلَيك يَا رَبِّ العَالَمِينَ. آمِين