خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: أَهَمِّيَّةُ الْوَفَاءِ
20.02.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْوَفَاءُ وَالْإِخْلَاصُ فَضِيلَةٌ مِنَ الْفَضَائِل، وَخُلُقٌ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ الْحَمِيدَةِ فِي دِينِنَا الْإِسْلَامِ، وَيَكُون الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلشَّخْصِ نَفْسِهِ. الْوَفَاءُ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى إخْلَاصِنَا وَامْتِنَانِنَا وَشُكْرِنَا لِلَّهِ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. الْوَفَاءُ هُوَ الاِحْتِرَامُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ بَعِيدًا عَنْ الْجُحُودِ، فَلَا يُؤْذِي الْقُلُوبَ، وَلَا يُكْسِرُ الْخَوَاطِرَ، وَلَا يَتَنَازَلُ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ صَحِيحٌ، وَأَنْ يُعَبِّرَ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِأفْضَلِ شَكْلٍ مُمْكِنٍ، وَأَيْضًا الْوَفَاءُ هُوَ ألَّا نَنْسَيَ الَّذِينَ رَافَقُونَا عِنْدَمَا كُنَّا وَحْدَنَا، وَلَا الَّذِينَ حَمَوْنَا وَدَعَمُونَا عِنْدَمَا كُنَّا ضُعَفَاء.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مِنْ أَعْظَمِ الْقِيَمِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا دِينُنَا الْحَنِيفُ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ يُوفِي بِالْعَهْدِ، وَيَحْرِصُ عَلَى أَدَاءِ الْوَعْدِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ فِي أَهَمِّيَّةِ الْوَفَاءِ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ.» لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمُوذَجًا يُحْتَذَى بِهِ فِي الْوَفَاءِ؛ فَقَدْ كَانَ وَفِيًّا بِعَهْدِ اللَّهِ، وَوَفِيًّا لِأُسْرَتِهِ وَأَصْحَابِهِ، ولِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَكَانَ وَفِيًّا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الْوَفَاءَ لِأَصْغَرِ وَأَبْسَطِ الْكَائِنَاتِ. لَقَدْ كَانَ يُلَقَّبُ بـ “الْأَمِينِ” مِنْ قِبَلِ الْجَمِيعِ، لَيْسَ فَقَطْ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِي تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ، وَلَكِنْ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِي كُلِّ كَلِمَةٍ وَعَدَ بِهَا؛ سَوَاءٌ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالدِّينِ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ أَمْ لَا. وَقَدْ أَكَّدَ الْقُرْانُ الْكَرِيمُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَفَاءِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، حَيْثُ يَحُثُّ الْمُسْلِمَ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالِالْتِزَام بِالْوُعُود. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾. كَمَا ذَكَرَ القُرْانُ أَيْضًا أَنَّ الْوَفَاءَ يَتَجَلَّى فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ بِإِحْسَان، وَحِفْظِ الْأَمَانَاتِ، وَالاِهْتِمَامِ بِحُقُوقِ الضُّعَفَاءِ كَالْيَتَامَى. وَكَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْانُ الْكَرِيمُ كَيْفِيَّةَ الْوَفَاءِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، يَذْكُرُ لَنَا أَيْضًا أَمْثِلَةً عَلَى الْخِيَانَةِ لِيُحَذِّرَنَا مِنْهَا.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْوَفَاء لِكُلِّ مَنْ خَدَمَ الْإِسْلَامَ وَسَاهَمَ فِي نَشْرِهِ. لَمْ يَتْرُكْ أَبَدًا خِدْمَتَهُمْ دُونَ جَزَاءٍ، وَلَمْ يَنْسَ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ وَفِيًّا مُخْلِصًا لَهُمْ طِوَالَ حَيَاتِهِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ أَوْفِيَاءً لِأُولَئِكَ الَّذِينَ سَاهَمُوا فِي بِنَاءِ مَسَاجِدِنَا وَجَمْعِيًّاتِنَا سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الدَّعْمُ مَادِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا، وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهُمْ بِالْخَيْر وَالدُّعَاء.
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى الْوَفَاءَ جُزْءً مِنْ الْإِيمَانِ، وَكَانَ يُظْهِرُ هَذَا الْوَفَاءَ وَالْإِخْلَاصَ بِأُجْمَلِ أَمْثِلَةٍ وَصُوَرٍ طِوَالَ حَيَاتِهِ. وَأَظْهَر أَنَّ الْوَفَاءَ خُلُقٌ يُظْهِرُهُ فِي عِبَادَتِهِ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي شُكْرِهِ عَلَى نِعَمِهِ، وَفِي كُلِّ عَلَاقَاتِه الْإِنْسَانِيَّةِ مَعَ أَهْلِهِ، وَأَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ، وَأَوْضَحَ أَهَمِّيَّةَ الْوَفَاءِ فِي أَصْعَبِ الظُّرُوفِ وَابْسَطِ الْمَوَاقِف. وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ أَيَّ وَعْدٍ حَتَّى فِي أَصْعَبِ الْأَوْقَات.
وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِالْايَةِ وَالْحَدِيثِ الَّذَيْنِ قَرَأْنَاهُمَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: (وَالَّذٖينَ جَٓاؤُ۫ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّـنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِاِخْوَانِنَا الَّذٖينَ سَبَقُونَا بِالْاٖيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فٖي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذٖينَ اٰمَنُوا رَبَّـنَٓا اِنَّكَ رَؤُ۫فٌ رَحٖيمٌࣖ﴾
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ، يُرْفَعُ له بقَدْرِ غَدْرِهِ، ألا ولا غادِرَ أعْظَمُ غَدْرًا مِن أمِيرِ عامَّةٍ»
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ