خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: آفة لعب القمار
06.12.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ ظَهَرَ الْقِمَارُ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ، وَبِأَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ عَبْرَ تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَكِنْ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَصْبَحَ أَكْثَرَ انْتِشَارًا بِتَأْثِيرِ التِّكْنُولُوجِيَا. حَذَّرَ دِينُنَا الْحَنِيفُ تَحْذِيرًاتٍ كَثِيرَةً لِحِمَايَةِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ لَنَا. وَمِنْ هَذِهِ التَّحْذِيرَات الْقِمَارُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِأَحْكَامٍ صَرِيحَةٍ. وَالْحِكْمَةُ مِنْ هَذَا التَّحْرِيمِ هُوَ الضَّرَرُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُسَبِّبُهُ الْقِمَارُ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُٓوا اِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْاَنْصَابُ وَالْاَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ وَبِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ يَأْمُرُنَا بِتَطْبِيقِ هَذِهِ الْأَوَامِرِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الْقِمَارُ لَا يَضُرُّ فَاعِلَهُ فَقَطْ؛ بَلْ الْقِمَارُ يُدَمِّرُ الْحَالَةَ النَّفْسِيَّةَ لِلشَّخْصِ وَمَع الْوَقْتِ يَضُرُّ حَيَاتَهُ. وَبِهَذَا تَتَدَمَّرُ الأُسْرَةُ، وَتَنْقَطِعُ الْعَلَاقَاتُ الْأُسَرِيَّةُ. وَنَتِيجَةُ هَذَا يَفْقِد الشَّخْصُ سُمْعَتَهُ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيُصْبِحُ وَحِيدًا. يُؤَدِّي الْقِمَارُ إلَى فَتْحِ طَرِيقٍ لِلْأَعْدَاء، وَأَكْبَرُ مُصِيبَةٍ لِلْقِمَارِ هِي إضَاعَةُ الوَقْتِ. بَيْنَمَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَغِلَّ كُلَّ لَحْظَةٍ فِي حَيَاتِنَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِنَّ إضَاعَةَ الوَقْتِ فِي الْقِمَارِ وَمَا يُشْبِهُهُ خَسَارَةٌ كَبِيرَةٌ.
عَادَةً مَا يَبْدَأُ الْإِنْسَانُ الْقِمَارَ بِرَغْبَةِ الْفَوْزِ سَوْفَ يَتَحَوَّلُ هَذَا إلَى إدْمَانٍ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ. يَرْغَبُ الْإِنْسَانُ فِي كَسْبِ الْمَزِيدِ كُلَّمَا رَبِحَ، وَإِذَا خَسِرَ يُرِيدُ أَنْ يُعَوِّضَ خَسَائِرَهُ. وَيَدْخُلُ الْإِنْسَانُ بِهَذَا إلَى دَوَّامَةِ الْقِمَار. وَهَذِهِ الدَّوَّامَةُ لَا تُدَمِّرُ الْحَيَاةَ الْمَادِّيَّةَ لِلشَّخْصِ فَقَطْ؛ بَلْ تُدَمِّرُ حَيَاتَهُ الْمَعْنَوِيَّةَ أَيْضًا، وَيَمْنَعُ الْقِمَارُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَيُلْهِيهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيُسَبِّبُ الْاِكْتِئَابَ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَفْقًا لِلْإِحْصَائِيَّاتِ أنَّ (سَبْعِينَ بِالْمِائَةِ) ٧٥٪ مِنَ الرَّاشِدِينَ لَعِبُوا الْقِمَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَقَلِّ فِي حَيَاتِهِمْ. يَقُومُ مَا يَقْرُبُ (ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ بِالْمِائَةِ) ٣٨٪ مِنْ الْمُجْتَمَعِ بِإِيدَاعِ الْأَمْوَالِ كُلَّ شَهْرٍ فِي الْقِمَارِ. وَفَقَطْ فِي أَلْمَانْيَا هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ مِلْيُونِ شَخْصٍ مُدْمِنِ قِمَار. وَيَزْدَادُ هَذَا الْوَضْعُ سُوءً مَعَ زِيَادَةِ عَدَدِ الصَّالَاتِ وَالْإِمْكَانِيَّاتِ التِّكْنُولُوجِيَّةِ لِلَعِبِ الْقِمَار.
وَفِي يَوْمِنَا هَذَا لَا يَقْتَصِرُ لَعِبُ القِمَارِ فِي أَمَاكِنَ مُحَدَّدَةٍ فَقَطْ، بَلْ دَخَلَ الْقِمَارُ مَنَازِلَنَا بِسَبَبِ الْهَاتِفِ وَالِانْتِرْنَت. انْتِشَارُ الْقِمَارِ بِهَذَا الشَّكْلِ يُسَبِّبُ خَطَرًا كَبِيرًا خَاصَّةً عَلَى شَبَابِنَا. قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «… وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ. فَلْيَتَصَدَّقْ». يُحَذِّرُنَا هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا حَتَّى الْمِزَاحِ بِشَأْنِ الْقِمَارِ. وَلَا نَسْتَخْدِمْ الرِّزْقَ الْحَلَالَ الَّذِي رَزَقَنَا اللَّهُ بِهِ فِي أَفْعَالٍ حَرَّمَهَا اللَّهُ. إضَاعَةُ رِزْقِ أَوْلَادِنَا فِي الْقِمَارِ إِثْمٌ وَبَلَاءٌ عَظِيمٌ. وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكْسِبَ الرِزْقَ الحَلَالَ يَجِبُ أَنْ نُنْفِقَهُ أَيْضًا كَمَا أَحَلَّ اللَّهُ. يَجِبُ أَنْ نَبْذُلَ قُصَارَى جُهْدِنَا لِلْحِفَاظِ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَحِبَّائِنًا وَخَاصَّةً أَوْلَادِنَا مِنْ ضَرَرِ الْقِمَار.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَمِنْ أَهَمِّ الطُّرُقِ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِنَا مَنَ الْقِمَارِ هِيَ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَمْنَعُنَا مِنْ شَهَوَاتِ النَّفْسِ. الْمُصَلِّي يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقِفُ أَمَامَ اللَّهِ، فَيَتَهَذَّبُ وَيُحَاوِلُ الِابْتِعَادَ عَنِ كُلِّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ. وَطَبْعًا بِجَانِبِ ذَلِكَ أَنَّ الدُّعَاءَ مُهِمٌّ جِدًّا لِحِمَايَةِ أَنْفُسِنَا مِنَ الْقِمَار.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعًا مِنْ كُلِّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَيُنَوَّرَ قُلُوبَنَا بِالْإِيمَان، وَيَحْفَظَنَا مِنْ ضَرَرِ الْقِمَار. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا السَّعَادَةَ وَالْبَرَكَةَ فِي حَيَاتِنَا. أَمِين