خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: آدَابُ خُطْبَةِ الْجُمُعَة
08.12.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ رُكْنَانِ، هُمَا: رَكْعَتَا صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَالْخُطْبَةُ الَّتِي يُلْقِيهَا الْإِمَامُ قَبْلَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْن. فَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ رُكْنَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا لِصِحَّةِ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الْجُمُعَة. وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْفُقَهَاء. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ الْجُمُعَة: ﴿َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.[1] وَالْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ فِي الْآيَةِ، هُوَ أَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَة. وَقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ أَيَّامَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَهَا وَلَا مَرَّة. وَقَدْ قَالَ ؐ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».[2] وَلَوْلَا أَنَّ الْخُطْبَةَ رُكْنٌ لِلْجُمُعَةِ، لَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ؐ وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ جَوَازَ ذَلِك. لَكِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ قَطّ. فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ مِنْ غَيْرِ الْخُطْبَة.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَبِمَا أَنَّ الْخُطْبَةَ جُزْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا إِذَنْ أَنْ نَكُونَ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ كَمَا نَكُونُ فِي الصَّلَاةِ بِالضَّبْط. وَذَلِكَ بِأَنْ نَتَأَدَّبَ فِيهَا بِآدَابِ الصَّلَاةِ، مِنَ الْإِنْصَاتِ وَالْخُشُوع. قَالَ تَعَالَى: ﴿َوَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.[3] وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْاِسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ إِلَى الْخُطْبَة.
وَمِنْ آدَابِ الْخُطْبَةِ؛ اَلْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ وَعَدَمِ التَّحَدُّثِ بِأَيِّ شَيْءٍ مَهْمَا كَان. فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلنَّاسِ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُب. قَالَ ؐ: «مَنْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِصَاحِبِهِ: “صَهْ”، فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا، فَلَيْسَ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيْء».[4]
وَيَبْدَأُ حَظْرُ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ لَحْظَةِ قِيَامِ الْإِمَامِ مِنْ مَكَانِهِ لِيَصْعَدَ الْمِنْبَرَ لِإِلْقَاءِ الْخُطْبَة. فَبِدَايَةً مِنْ هَذِهِ اللَّحْظَةِ يَجِبُ اِلْتِزَامُ الصَّمْتِ التَّامّ، حَتَّى إِنَّنَا لَا نُشَمِّتُ الْعَاطِسَ إِذَا عَطَسَ أَثْنَاءَ الْخُطْبَة. فَكُلُّ مَا يُمْنَعُ فِي الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا أَثْنَاءَ الْخُطْبَة. بِمَا فِي ذَلِكَ؛ اَلْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، بَلْ وَحَتَّى التَّسْبِيحُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَر. فَالْوَاجِبُ هُوَ الْإِنْصَاتُ وَالْاِسْتِمَاعُ إِلَى الْخُطْبَة.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا نُشَاهِدُ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ فِي مَسَاجِدِنَا، أَنَّ مِنَّا مَنْ يَقَعُ مِنْهُ تَصَرُّفَاتٌ لَا تَلِيقُ بِحُرْمَةِ الْخُطْبَة. فَيَكُونُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَحَدَّثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، وَمِنْهُمُ الَّذِي يَمْزَحُ وَيَضْحَك، أَوْ يَنْشَغِلُ بِهَاتِفِهِ عَنْ كَلَامِ الْإِمَام. فَهَذِهِ أُمُورٌ تَقَعُ كَثِيرًا لِلْأَسَفِ الشَّدِيد. وَذَلِكَ يُؤَدِّي بِدَوْرِهِ إِلَى أَنْ يُفَوِّتَ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ رِسَالَةَ الْخُطْبَة. فِي حِينِ أَنَّ الْجُمُعَةَ مُهِمَّةٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِين. فَهِيَ بِمَثَابَةِ الْمُؤْتَمَرِ الْأُسْبُوعِيِّ وَالدَّوْرَةِ الْعِلْمِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُم.
فَالَّذِينَ يَنْشَغِلُونَ عَنِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَشْتَغِلُونَ بِاللَّغْوِ مِنَ الْأُمُورِ، مِثْلَ الْهَاتِفِ وَغَيْرِهَا، لاَ يَحْرِمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَفَقَط، بَلْ إِنَّهُمْ يَحْرِمُونَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ أَيْضًا مِنْ فَوَائِدِ الْخُطْبَةِ وَمِنْ ثَوَابِهَا، وَيُزْعِجُونَ الْآخَرِينَ بِذَلِك.
فَلْنَحْرِصْ جَمِيعًا عَلَى الْتِزَامِ آدَابِ الْجُمُعَةِ، وَلْنَتَّعِظْ بِمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ، وَلْنَسْأَلِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَنَا بِهَا.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَه، وَأَنْ يُرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين
[1] سورة الجمعة: 9
[2] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 19
[3] سورة الأعراف: 204
[4] سنن أبي داود، كتاب الجمعة، 1051