خطبة العيد ٢٠\٧\٢٠٢١ – عِيدُ الْأَضْحَى ١٤٤٢
19.07.2021يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ،
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَوْصَلَنَا بِغَايَةِ كَرَمِهِ لِعِيدِ أَضْحًى جَدِيدٍ. كَثِيرٌ مِنْ إِخْوَانِنَا قَدْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ إِلَى أَوْطَانِهِمْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَيَقْضُونَ عِيدَهُمْ مَعَ أقْرِبَائِهِمْ هُنَالِكَ. سَوْفَ نَتَحَدَّثُ فِي خُطْبَتِنَا فِي عِيدِ الْأَضْحَى هَذَا عَنْ فَضْلِ الْأُضْحِيَةِ وَفَضْلِ التَّوْكِيلِ عَنِ الْأُضْحِيَةِ وَعَنْ حِكْمَةِ الْأُضْحِيَةِ.
يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْأَضَاحِي الْمَذْبُوحَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللّٰهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَٓاؤُهَا وَلٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوٰى مِنْكُمْ﴾[1]
فَإِذَا تَدَبَّرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّنَا نَرَى بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُهِمَّ فِي عِبَادَةِ الْأُضْحِيَةِ هُوَ النِّيَّةُ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ. وَإِنَّ النِّيَّةَ الْقَوِيَّةَ الْفَائِزَةَ بِرِضَا اللهِ مَرْبُوطَةٌ بِإِيمَانٍ قَوِيٍّ وَتَقْوًى رَسِينٍ. وَكَذَلِكَ نَحْتَاجُ لِلْعِلْمِ وَالتَّجْرُبَةِ لِرَفْعِ قَدْرِ عِبَادَاتِنَا. لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ نُكَرِّرَ مَعْلُومَاتِنَا عَنِ الْأُضْحِيَةِ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرِ.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ،
كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ الْأُضْحِيَةِ نَتِيجَةٌ لِإِيمَانِنَا وَتَقْوَانَا فَإِنَّ إِيمَانَنَا كَذَلِكَ يَتَأَثَّرُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ. فَإِنَّ الْأُضْحِيَةَ أَوِ التَّوْكِيلَ عَنْهَا يُظْهِرُ مَدَى شُكْرِنَا أَمَامَ نِعَمِ اللهِ الَّتِي أَحْسَنَ بِهَا عَلَيْنَا. وَهِيَ أَنْ يَتَجَسَّدَ الْحَمْدُ الَّذِي فِي قَلْبِنَا وَفَمِنَا فِعْلِيًّا. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الشُّكْرَ سَبَبٌ لِرَحْمَةِ اللهِ وَزِيَادَةِ النِّعَمِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَتَفْرِيجِ الْكُرَبِ. فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿فَاذْكُرُونٖٓي اَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لٖي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾[2]
وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْأُضْحِيَةِ إِذْ هِيَ عَلَمٌ لِلشُّكْرِ. عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا»[3]
يَا جَمَاعَتِي الْكَرِيمَةَ
قَدْ خَبَّأَ اللهُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ حِكَمًا كَثِيرَةً لَا تُعَدُّ. وَكَمَا تَحَدَّثْنَا قَبْلَ قَلِيلٍ، فَإِنَّ الشُّكْرَ مِنْ أَهَمِّ حِكَمِ الْأُضْحِيَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أحَدَ الْحِكَمِ هُوَ شُيُوعُ الْأُخُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَةِ وَتَوْزِيعِ لُحُومِهَا، وَكَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْدُ وَالْمُجْتَمَعُ وَاعِيًا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. ذَبْحُ الْأُضْحِيَةِ وَتَوْزِيعُ لُحُومِهَا هُوَ تَفْضِيلُ الْآخَرِينَ عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ آنَذَاكَ إِحْيَاءٌ لِخُلُقِ الْإِيثَارِ. وَذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ الْعَنَاصِرِ الَّتِي تُقَوِّي وَعْيَنَا تُجَاهَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
تَقَبَّلَ اللهُ الْمَوْلَى الْعَلِّيُّ الْقَدِيرُ أَضَاحِيكُمْ. وَجَعَلَ الْأُضْحِيَةَ وَسِيلَةً لِشُيُوعِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ. اللَّهُمَّ أَنْعِمْنَا بِأَعْيَادٍ كَثِيرَةٍ نَقْضِيهَا مَعَ أُسَرِنَا وَأَحْبَابِنَا بِخَيْرٍ. آمِينَ
[1] سورة الحج: ٣٧
[2] سورة البقرة: ١٥٢
[3] الترمذي، الأضاحي، ١، الحديث: ١٤٩٣