خطبة
خطبة الجمعة ٤\٦\٢٠٢١ إدمان القمار
04.06.2021يَا جَمَاعَتِي الْعَزِيزَةِ،
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ يَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حِكْمَةً بَالِغَة. اَلصَّلَاةُ تَرْفَعُنَا رُوحِيًّا وَتَنْهَانَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر. وَالصَّوْمُ يُرَبِّي أَنْفُسَنَا. وَالزَّكَاةُ تُطَهِّرُ أَمْوَالَنَا. وَالْحَجُّ يُذَكِّرُنَا بِغَايَةِ حَيَاتِنَا الْأَسَاسِيَّةِ وَعَاقِبَتِهَا. وَالْأُضْحِيَّةُ تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَهَا حِكَمٌ كَثِيرَةٌ. فَمَثَلًا الْخَمْرُ وَالْمُخَدِّرَاتُ تُخَامِرُ عُقُولَنَا وَتُسَمِّمُ أبدَانَنَا وَتُتْلِفُ أَمْوَالَنَا. وَإِنَّ الْقِمَارَ مِمَّا نَهَى دِينُنَا عَنْهُ. قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُٓوا اِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْاَنْصَابُ وَالْاَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ❊ اِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ اَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَٓاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَعَنِ الصَّلٰوةِ ج فَهَلْ اَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[1]
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْن عَمْرٍو – أحَدِ كِبَارِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِين: “اللاَّعِبُ بِالْفُصَّيْنِ قِمَارًا كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَاللاَّعِبُ بِهِمَا غَيْرَ قِمَارٍ كَالْغَامِسِ يَدَهُ فِي دَمِ خِنْزِيرٍ.”[2]
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ،
إِنَّ الْإِحْصَائِيَاتِ تُظْهِرُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ مِنَ الْمُجْتَمَعِ قَدْ لَعِبَ الْقِمَارَ مَرَّةً عَلَى أَقَلِّ تَقْديرٍ. وَإِنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمُجْتَمَعِ يُقَامِرُ شَهْرِيًّا. خُصُوصًا أَنْوَاعُ الْقِمَارِ مِثْلَ الْقِمَارِ فِي مَجَالَاتِ الرِّيَاضَةِ شَائِعَةٌ جِدًّا. يُعَانِي مَا يَقْرَبُ مِنْ نِصْفِ مِلْيُونِ إِنْسَانٍ فِي أَلْمَانِيَا فَقَطْ مِنْ إِدْمَانِ الْقِمَار. وَتُثْبِتُ زِيَادَةَ هَذِهِ الْأَرْقَامِ زِيَادَةُ نَوَادِي الْقِمَارِ كُلَّ يَوْم. وَفَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الْإِثْمَ يُمْكِنُ اِرْتِكَابُهُ الْيَوْمَ عَنْ طَرِيقِ الْهَوَاتِفِ دُونَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِل.
يَا إِخْوَانِي الْأَعِزَّاءَ،
أَضْرَارُ الْقِمَارِ لَا حَدَّ لَهَا، وَالْقِمَارُ قَدْ وَصَفَهُ الْقُرْآنُ بِرِجْسٍ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان. فَكَمَا تَمَّ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنَّ الْقِمَارَ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ النَّاسِ. قَدْ عَبَّرَ الْقُرْآنُ عَنِ الْقِمَارِ بِكَلِمَةِ الْمَيْسِرِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ كَلِمَةِ “الْيُسْر” لِأنَّهُ أخْذُ مالِ الرَجُلِ بِيُسْرٍ وسُهُولَةٍ بِلا كَدٍّ وتَعَب. وَلَمَّا تَسَبَّبَ الْقِمَارُ فِي تَلَفِ الْمَالِ وَفِي أَزْمَةٍ مَالِيَّةٍ صَارَ سَبَبًا لِهَدْمِ الْعَائِلَاتِ وَالْبُيُوت. وَالْمُدْمِنُونَ عَلَى الْقِمَارِ يُعَانُونَ مِنْ مَشَاكِلَ نَفَسِيَّةٍ تَصِلُ بِهُمِ الْحَالُ إِلَى الْاِنْتِحَارِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الْمَشَاكِلِ الْمَالِيَّةِ. بَيدَ أَنَّ إِدْمَانَ الْقِمَارِ يَقِلُّ وُجُودُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْمُجْتَمَعِ فَإِنَّهُ لَا يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَظُنَّ أَنَّنَا بَرَاءٌ مِنْهُ. أَحْسَنُ طَرِيقٍ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ إِدْمَانِ الْقِمَارِ هُوَ الْاِبْتِعَادُ عَنْهُ رَأْسًا تَمَامًا. وَقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: “تَعَالَ أُقَامِرْكَ!” فَلْيَتَصَدَّقْ.»[3]
يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ يَلْعَبُونَ الْقِمَارَ أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ وَأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَأَنْ يَتَعَهَّدُوا اللَّهَ عَلَى ألَّا يَفْعَلُوهُ مَرَّةً أُخْرَى. وَلَا نَخْدَعُ أَنَفْسُنَا وَنَقُولُ ” إِذَا رَبِحْتُ فَسَوْفَ أَتَصَدَّقُ بِهِ”. فَكُلُّ مَنْ أَلَمَّ بِإِدْمَانِ الْقِمَارِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَرَضِهِ وَيَتُوبَ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الْخَبِيثِ. كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمُتَخَصِّصِينَ فِي عِلْمِ النَّفْسِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَائِلَةِ أَنْ يَنْظُرَ الْكُلُّ إِلَى مُدْمِنِ الْقِمَارِ نَظْرَةً مُشْفِقَةً لَا نَظْرَةَ تَحَكُّمٍ.
اللَّهُمُّ احْفَظْنَا مِنَ الْقِمَارِ وَالْخَمْرِ وَمَنْ كُلِّ الْكَبَائِرِ، آمِينَ
[1] سورة المائدة: ٩٠-٩١
[2] البخاري: الأدب المفرد، الحديث: ١٢٧٧
[3] البخاري: الأدب المفرد، الحديث: ١٢٦٢