خطبة
خطبة الجمعة ٣\٩\٢٠٢١ حقّ الأخوّة
03.09.2021يَا إِخْوَتِي الأَفَاضِل،
إِنَّ عَلَاقَةَ المُسْلِمِينَ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا هِيَ عَلَاقَةُ الأُخُوَّة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الحُجُرَات: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[1]
وَمِنْ أَبْرَزِ مَظَاهِرِ حَقِّ الأُخُوَّةِ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ هِيَ الحُبّ. أَكَّدَ الحَبِيبُ المُصْطَفَى ﷺ أَهَمِّيَّةَ التَّحَابِّ بَيْنَ المُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا. وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ!»[2]
فَنَفْهَمُ مِنْ هٰذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ شَرْطَ الإِيمَانِ الكَامِلِ وَرِضَا البَارِئِ هُوَ الحُبُّ بَيْنَ المُسْلِمِين.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ الأَعِزَّاء،
مِنَ الأَكِيدِ أَنَّ الحُبَّ لَيْسَ مَفْهُومًا جَامِدًا مُجَرَّدًا عَنِ المَعْنَى. فَإِنَّ شُعُورَ الحُبِّ تُحَمِّلُ الإِنْسَانَ مَسْؤُولِيَّات. فَالمُسْلِمُ مَنْ يُوَفِّي حَقَّ المَحَبَّةِ لِأَخِيهِ المُسْلِم. فَقَالَ الحَبِيبُ المُصْطَفَى ﷺ: «لاَ يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[3]
فَأَسَاسُ الإِيفَاءِ بِحَقِّ المَحَبَّةِ أَنْ نُحِبَّ لِإِخْوَانِنَا مَا نُحِبُّ لِأَنْفُسِنَا مِنَ الطَّيِّبَات. وَالمَرْتَبَةُ الَّتِي تَعْلُو ذٰلِكَ هِيَ الإِيثَار. فَنُؤْثِرُ إِخْيَانَنَا عَلَى أَنْفُسِنَا. تِلْكَ الرُّوحُ الَّتِي كَانَتْ أَسَاسَ المُعَامَلَةِ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ نَمُوذَجٌ مُهِمٌّ لِأَيَّامِنَا هٰذِهِ الَّتِي تَسُودُهَا الأَنَانِيَّةُ وَالأَثَرَة.
أَيُّهَا الجَمَاعَةُ العَزِيزَة،
مَهْمَا كَانَ لَوْنُ أَوْ لُغَةُ أَوْ عِرْقُ المُؤْمِنِ فَإِنَّهُ آجُرَّةٌ فِي بِنَاءِ الإِسْلَام. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ[4] وَتَأَذَّنَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مَرَّةً فِي أَصْحَابِهِ قَائِلًا: «لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ! وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا! الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»[5] فَمِنْ مَسْؤُولِيَّاتِ المُؤْمِنِينَ أَنْ يَهْتَمُّوا بِأُمُورِ إِخْوَانِهِمْ فِي أَنْحَاءِ العَالَم. فَمَنْ أَهْمَلَ الِاشْتِغَالَ بِهُمُومِ الأُمَّةِ فَعَلَيْهِ بِتَجْدِيدِ إِيمَانِهِ فَإِنَّهُ فِي غَفْلَةٍ وَضَلَالٍ مُبِين.
إِخْوَتِي الكِرَام،
إِنَّ الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ نَتَائِجُ الِابْتِعَادِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِالوَحْدَةِ وَالأُخُوَّة. وَقَالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِين مِنْ أَنْفُسِهِمْ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»[6] فَأَكَّدَ بِذٰلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَظَلَّ غَاضِبًا عَلَى إِخْوَانِنَا. إِذَا وُفِّقْنَا فِي إِحْيَاءِ رُوحِ الوَحْدَةِ وَالأُخُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَسُودُ عَصْرَ السَّعَادَةِ فَسَيَكُونَ ذٰلِكَ سَبَبًا لِلرَّحْمَةِ وَالبَرَكَة.
بَلَّغَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيَّامًا أُسِّسَتْ فِيهَا أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَالوَحْدَةِ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا سَبَبًا لِذٰلِكَ. آمين
[1] سورة الحجرات:١٠
[2] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، ٢٢، رقم الحديث (٥٤)
[3] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، ٧؛ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، ٧١
[4] صحيح البخاري، كتاب الصلاة، ٨٨، رقم الحديث (٤٨١)؛ صحيح مسلم، كتاب البرّ، ١٧، رقم الحديث (٢٥٨٥)
[5] صحيح مسلم، كتاب البرّ، ١٠،
[6] صحيح البخاري، كتاب الأدب، ٥٧، ٦٢؛ صحيح مسلم، كتاب البرّ، ٢٦