خطبة
خطبة الجمعة ٢٨\٥\٢٠٢١ – إنّ اللّه كفيل الرّزق
28.05.2021يَا إِخْوَتِي الأَعِزَّاء،
إِنَّ مَعْنَى الرِّزْقِ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ يُنْتَفَعُ بِه. وَيُقْصَدُ بِالرِّزْقِ فِي الِاصْطِلَاحِ الإِسْلَامِيِّ كُلُّ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ مَنْفَعَة. وَنَحْنُ نَعِيشُ فِي عَصْرٍ تَتَضَرَّرُ فِيهِ رُوحَانِيَّةُ مَنْ حُرِمَتِ التَّرْبِيَةَ المَعْنَوِيَّةَ لِأَجْلِ الْهُمُومِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمَعِيشَةِ وَالرِّزْق. فَأَكَّدَ المُتَخَصِّصُونَ بِعِلْمِ النَّفْسِ أَنَّ الهُمُومَ المُتَعَلِّقَةَ بِالمُسْتَقْبَلِ وَالِاقْتِصَادِ أَهَمُّ العَوَامِلِ لِلِاضْطِرَابِ الرُّوحِيِّ فِي عَصْرِنَا هٰذَا.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الفُضَلَاء،
قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ الَّذِي أَنْزَلَهُ هَدْيًا لِكَافَّةِ البَشَرِيَّةِ إِلَى يَوْمِ القَرَار: ﴿وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ط كُلٌّ فٖي كِتَابٍ مُبٖينٍ﴾[1] فَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهٰذِهِ الآيَةِ حَقَّ إِيمَانِهَا يَتـَيـَقَّنُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَكْفُلُ رِزْقَنَا فَلَا يَشُكُّ فِي ذٰلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذٰلِك.
أَيُّهَا الجَمَاعَةُ كَرِيمَة،
إِنَّ الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنَ العَدَمِ لَنْ يَتْرُكَ مَنْ خَلَقَ سُدًى بِلَا قُوت. فَأَحَدُ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى هُوَ الرَّزَّاق. فَهُوَ البَارِئُ الَّذِي خَلَقَ قُوتَ كُلِّ دَابَّةٍ وَقَدْ كَفَلَ بِرِزْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم. وَإِنَّهُ هُوَ الرَّحْمـٰنُ الرَّحِيمُ الَّذِي تَظْهَرُ آثَارُ رَحْمَتِهِ فِي العَالَمِين. فَاعْتِمَادُنَا عَلَى الحَقِّ تَعَالَى سَوفْ يُعْطِينَا الثِّقَةَ بِالنَّفْسِ الَّتِي نَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِإدَامَةِ حَيَاتِنَا. وَسَتَرْتَفِعُ بِهَا هِمَّتُنَا.
فَهُوَ كَمَا قَالَ قُدْوَتُنَا وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكِّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»[2]
إِخْوَتِي الكِرَام،
لَا نَنْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْتَحِنُنَا فِي تَوَكُّلِنَا. وَإِنَّهُ لَنْ يُضِيعَ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَلَنْ يَتْرُكَهُ وَحِيدًا. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ❊ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ط وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ط اِنَّ اللّٰهَ بَالِغُ اَمْرِهٖ ط قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾[3] فَنَفْهَمُ مِنْ هٰذَيْنِ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ أَنَّ التَّقْوَى وَالتَّوَكُّلَ أَهَمُّ العَوَامِلِ الَّتِي تُفْتَحُ لَنَا بِهَا أَبْوَابُ الرِّزْق.
أَيُّهَا الجَمَاعَةُ العَزِيزَة،
إِنَّ اللَّهَ كَفِيلُ الرِّزْق. وَلٰكِنَّهُ قَـيَّـدَهُ بِجُهْدِ العِبَاد. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاَنْ لَيْسَ لِلْاِنْسَانِ اِلَّا مَا سَعٰى﴾[4]
فَقَدْ أُمِرَ الإِنْسَانُ بِطَلَبِ الرِّزْقِ الحَلَالِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ العَدَم. وَيُمْدَحُ مَنْ عَمِلَ وَاجْتَهَدَ لِيَكْسِبَ مِنَ الحَلَال. فَمَنْ طَلَبَ الحَلَالَ بِطَرِيقٍ حَلَالٍ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّه.
جَعَلَنَا رَبُّنَا تَعَالَى مِنَ المُتَوَكِّلِينَ العَامِلِينَ لِكَسْبِ الحَلَالِ مِنَ الرِّزْق. وَرَزَقَ اللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا وَجَعَلَنَا مِنَ المُنْفِقِينَ مِمَّا آتَانَا مِنَ النِّعَم. آمين
[1] سورة هود:٦
[2] جامع التّرمذي، الزهد، ٣٣، رقم الحديث (٢٣٤٤)
[3] سورة الطّلاق:٢-٣
[4] سورة النّجم:٣٩