خطبة
خطبة الجمعة ٢٦\٢\٢٠٢١ – السَّابِقُونَ الأَوَّلُون
26.02.2021أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا نَدْعُو دَائِمًا فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي نَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ نُصَلِّيهَا فَنَقُولُ لِرَبِّ الْعَالَمِين: ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ❊ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّٓالِّينَ﴾.[1] وَلَمْ يَدَعْ رَبُّ الْعَالَمِينَ أُولٰئِكَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ مُبْهَمِينَ، حَتَّى ذَكَرَ لَنَا أَوْصَافَهُمْ وَبَيَّنَ لَنَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مَنْ هُمْ، وَمَا السَّبِيلُ إلَى أَنْ يُحْشَرَ أَحَدُنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلّ: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ج وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾.[2]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ دِيْنَ الْإِسْلَامِ قَدْ دَلَّ الْبَشَرِيَّةَ عَنْ طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَبَادِئِ الَّتِي يَكْفُلُ الاِلْتِزَامُ بِهَا اَلْحَيَاةَ السَّعِيدَةَ لِلْإِنْسَانِ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَدَارِ الْآخِرَة. وَلَقَدْ شَمَلَ هَذَا التَّكْلِيفُ الْعَالَمِيُّ أَهْلَ كُلِّ الْعُصُورِ فِي سَائِرِ أَطْرَافِ الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَة. وَقَدْ وُجِدَتْ فِي تَارِيخِنَا الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ شَخْصِيَّاتٌ قَيِّمَةٌ وَضَعُوا رِسَالَةَ الْإِسْلاَمِ هَذِهِ مَوْضِعَ التَّنْفِيذِ مِنْ حَيَاتِهِم أَوَّلاً ثُمَّ مَوْضِعَ التَّبْلِيغِ وَدَعْوَةِ النَّاسِ إلَيْهَا ثَانِيًا. وَإِلَيْهِمْ أَشَارَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حِينَ قَال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ج ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.[3]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ بَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّابِقِيْنَ فِي الْإِحْسَانِ وَفِي الْخَيْرَاتِ فَقَالَ ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْء».[4]
ذَلِكَ أَنَّ السَّابِقِيْنَ فِي كُلِّ جِيلٍ مِنْ حَيْثُ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ يُشَكِّلُونَ النَّمَاذِجَ الَّتِي يَقْتَدِي بِهَا مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الأَجْيَال. فَالتَّنَاسُقُ وَالثَّبَاتُ الَّذِي اتَّسَمَتْ بِهِمَا حَيَاتُهُم، قَدْ وَجَدَهُمَا النَّاسُ ثَمَرَةً لِإِخْلاَصِهِمْ وَصِدْقِهِم، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي أَنَّهُمْ تَرَبَّعُوا عَلَى عَرْشِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا. وَصَارَتْ مَوَاقِفُهُمْ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ وَسُلُوكُهُمْ فِي حِينِ الِابْتِلاَءِ مِيزَانًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْعُصُورِ مِنْ بَعْدِهِم. وَكَانَ لَهُمُ الْفَضْلُ فِي ظُهُورِ جِيلٍ يَحْمِلُ هَدَفَ وَهَمَّ إنْفَاذِ الْإِسْلاَمِ بِقِيَمِهِ وَمَبَادِئِهِ إِلَى شَتَّى مَجَالاَتِ الْحَيَاة. وَلَيَسْبِقَنَّ فِي الْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْخَيْرِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا -كَمُنَظَّمَةِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلاَمِيِّ «مِلِّي كُورُش» – نُوْلِي اِهْتِمَامًا بَالِغًا بِتَعْرِيفِ أَجْيَالِنَا النَّاشِئَةِ بِالشَّخْصِيَّاتِ السَّابِقَةِ فِي تَارِيخِنَا وَتَذْكِيرِهِمْ بِهَا. وَكَانَتْ أَنْشِطَتُنَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِتَعْرِيفِ هَذِهِ الشَّخْصِيَّاتِ النَّمُوذَجِيَّةِ قَدْ أُقِيمَتْ فِيمَا سَبَقَ فِي صُورَةِ بَرامِجَ قَاعَاتٍ غَنِيَّةِ الْمُحْتَوَى. وَلَنْ تَتَعَوَّقَ هَذِهِ الْخِدْمَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى خِلاَلَ فَتْرَةِ الْوَبَاءِ الَّتِي نَمُرُّ بِهَا، وَالَّتِي نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَرِّجَهَا عَنَّا قَرِيبًا. فَسَنُجْرِي بَرامِجَ “اَلسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ” فِي الْأَقَالِيمِ الْمُخْتَلِفَةِ هَذَا الْعَامَ عَنْ طَرِيقِ الْإِنْتَرْنَتْ. فَلْنَحْرِصْ عَلَى الْاِشْتِرَاكِ فِيهَا بِأُسَرِنَا، وَلاَ نَنْسَ أَنْ نُشَجِّعَ عَلَيْهِ النَّاسَ مِنْ حَوْلِنَا.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُدِيمَنَا عَلَى الْخِدْمَةِ وَأَنْ يَجْعَلَنَا زُمْرَةً مِنْ عِبَادِهِ يَفْقَهُونَ الْإِسْلاَمَ وَيَلْتَزِمُونَ بِه. إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة الفاتحة: 6-7
[2] سورة النساء: 69
[3] سورة التوبة: 100
[4] صحيح مسلم، كتاب الزكاة، 20