خطبة
خطبة الجمعة ٢٣\٤\٢٠٢١ إيتاء الزكاة بِأَيْدِي المُؤَسَّسَات
23.04.2021أَيُّهَا المُسْلِمُونَ المُحْتَرَمُون،
إِذَا أَمَرَنَا اللّٰهُ تَعَالٰى بِعِبَادَةٍ يَجِبُ عَلَيْنَا إِقَامَتُهَا بِالكَيْفِيَّةِ الَّتِي أَرَادَهَا الشَّرْع. وَنَسْتَخْرِجُ مُرَادَهُ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَسُنَّةِ أَنْبِيَاءِهِ الأَخْيَارِ الذِّينَ بُعِثُوا مِنْ بَيْنِ النَّاس. وَإِنَّ رَبَّنَا تَعَالٰى الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا إِيْتَاءَ الزَّكَاةِ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ لَمْ يُهْمِلْ ذِكْرَ كَيْفِيَّةِ جَمْعِهِ وَآخِذِيهِ وَجَامِعِيهِ وَمَكَانِهِ وَكَيْفِيَّةِ إِيتَاءِه. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1] وَقَالَ تَعَالٰى فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿اِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَـرَٓاءِ وَالْمَسَاكٖينِ وَالْعَامِلٖينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمٖينَ وَفٖي سَبٖيلِ اللّٰهِ وَابْنِ السَّبٖيلِ ؕ فَرٖيضَةً مِنَ اللّٰهِ ؕ وَاللّٰهُ عَلٖيمٌ حَكٖيمٌ [2] ﴾
إِخْوَتِي المُحْتَرَمُون،
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَاتِهِ بِأَدَاءِ الأَمْرِ بِجَمْعِ الزَّكَاةِ المَذْكُورِ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ فَعَيَّنَ لَهُ مَأْمُورِينَ. وَقَامَ بِإِنْشَاءِ صَنْدُوقِ الزَّكَاةِ وَتَرْتِيبِ تَوْزِيعِهَا وَتَوْظِيفِ المَسْؤُولِينَ لَهُ وَاسْتَمَرَّ الحَالُ كَذٰلِكَ إِلَى وَفَاتِهِ ﷺ. وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ مَسَائِلِ الاِخْتِلَافِ فِي عَهْدِ الخَلِيفَةِ الرَّشِيدِ الأَوَّلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ لِصَنْدُوقِ الدَّوْلَة. وَلَمْ يَرْضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَنْعِ بَعْضِ المُسْلِمِينَ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ لَهُ وَلَمْ يَسْكُتْ فِي ذٰلِك. وَاسْتَمَرَّ هٰذَا الحَالُ مُدَّةَ قُرُون. وَلٰكِنَّ اليَوْمَ لَيْسَ لَدَيْنَا دَوْلَةٌ تَجْمَعُ زَكَاةَ المُسْلِمِينَ بِشَكْلٍ رَسْمِيٍ فَقَامَ المُؤَسَّسَاتُ الإِسْلَامِيَّةُ بِهٰذِهِ الوَظِيفَة. فَإِنَّهُ مُقْتَضَى فَرْضِيَّةِ عِبَادَةِ الزَّكَاةِ وَالحِكَمِ المَضْمُونَةِ فِي الأَوَامِرِ القُرْآنِيَّة. عَلَى حَسَبِ ذٰلِكَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ إِيتَاءُ زَكَاتِهِمْ لِلْمُؤَسَّسَاتِ المُخْتَصَّةِ بِتَوْزِيعِهَا.
وَهٰذِهِ المُؤَسَّسَاتُ تُوصِلُ زَكَاةَ المُسْلِمِينَ بِأَيْدِي مُوَظَّفِيهَا إِلَى مُسْتَقْبِلِيه. لِأَجْلِ ذٰلِكَ يَجِبُ عَلَى هٰذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الَّتِي هِيَ نَتِيجَةُ جُهْدِ المُسْلِمِينَ المُشْتَرَكِ أَنْ يُوَزِّعُوا الزَّكَاةَ بِشَكْلٍ مُنَاسِبٍ لِحِكَمِهَا.
إِخْوَتِي الأَعِزَّاء،
لِلْأَسْبَابِ المَذْكُورَةِ قَامَ المُجْتَمَعُ الإِسْلَامِيُّ «مِلِّي كُورُشْ» بِإِنْشَاءِ صَنْدُوقِ الزَّكَاةِ. تُوَزَّعُ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الفِطْرِ المَجْمُوعَةُ فِي هٰذَا الصَّنْدُوقِ إِلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِّيَةِ المَذْكُورَةِ فِي الآيَةِ السِّتِّينِ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ. فَيَكُونُ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ لِهٰذَا الصَّنْدُوقِ إِحْيَاءً لِلأَمْرِ القُرْآنِي وَعَمَلًا بِمُقْتَضَى حِكَمِه. فَنُشَجِّعُ الجَمِيعَ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ لِهٰذَا الصَّنْدُوقِ الَّذِي أُنْشِئَ لِخِدْمَةِ المُسْلِمِينَ المُحْتَاجِينَ وَمُحَافَظَةِ الجِيلِ الإِسْلَامِيِّ الجَدِيدِ فِي أَوْرُوبَا.
وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوَوْا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ»[3]
[1] سورة التّوبة:١٠٣
[2] سورة التّوبة:٦٠
[3] الطبراني: المعجم الكبير، ٨\٤٦٤، رقم الحديث ١٠٠٤٤ (المكبتة الشاملة)