خطبة
اَلْيَوْمُ الْعَاشِرُ
28.07.2023يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكُ هَذَا هُوَ أَيْضًا اَلْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ . فِي هَذَا الْيَوْمِ الْاِسْتِثْنَائِيِّ قُبِلَتْ تَوْبَةُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَنَجَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الطُّوفَانِ وَرَسَتْ سَفِينَتُهُ بِأَمَانٍ بِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ الْمُرَافِقِينَ لَهُ . إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي أُلْقِيَ فِي نَارِ نَمْرُودَ الْقَاسِي ، كَانَ مُحَاطًا بِعِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَجَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ ظُلْمِ فِرْعَوْنَ وَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَلِكَ نَجَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ السِّجْنِ . وَفِي هَذَا الْيَوْمِ شَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ مِثَالٌ فِي مَرَضِهِ لِلصَّبْرِ عَلَى الْمَتَاعِبِ وَالْمَصَائِبِ . بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ حَادِثَةً شَدِيدَةَ الْإِيلَامِ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ، فَلَقَدِ اسْتُشْهِدَ حَفِيدُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُسَيْنُ فِي كَرْبَلَاءَ . وَتَسْتَمِرُّ هَذِهِ الْمَجْزَرَةُ الشَّنِيعَةُ فِي حَرْقِ قُلُوبِ كُلِّ مُسْلِمٍ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ طَائِفَتِهِ حَتَّى بَعْدَ قُرُونٍ . لَا يَسَعُنَا إِلَّا أَنْ نَتَغَلَّبَ عَلَى هَذِهِ الْكَارِثَةِ الَّتِي فَرَضَهَا التَّارِيخُ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ خِلَالِ أَخْذِ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ مِنَ الْحَادِثَةِ وَزِيَادَةِ تَضَامُنِنَا وَوَحْدَتِنَا .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ . . .
أَعُظَمُ رِسَالَةٍ لَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ هِيَ أَنَّ وَحْدَةَ الْأُمَّةِ وَرَفَاهَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَهْدَافِ حَيَاتِهِ . وَلَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِمَا يَلِي : {وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخۡتَلَفُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ } . فَلْنَكُنْ رُحَمَاءَ مُتَسَامِحِينَ مَعَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ حَتَّى لَا تَحْدُثَ كَرْبَلَاءُ جَدِيدَةٌ اَلْيَوْمَ . دَعُونَا نُوَحِّدْ قُلُوبَنَا ، دَعُونَا نُفْسِحِ الْمَجَالَ لِبَعْضِنَا فِي قُلُوبِنَا ، دَعُونَا نَرْبِطْ حَيَاتَنَا بِالْحُبِّ . يَقُولُ نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ” لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَنَاجَشُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ” . دَعُونَا نَعْمَلْ بِهَذَا الْحَدِيثِ . دَعُونَا نَتَّحِدْ حَوْلَ الْقِيَمِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي سَتَقُودُنَا إِلَى النَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . دَعُونَا نَتَسَامَحْ مَعَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ ، دَعُونَا نَتَحَابَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَعِزَّاءُ . . .
فِي الْأَيَّامِ الْأُولَى لِلْإِسْلَامِ ، كَانَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاجِبًا . بَعْدَ فَرْضِ صَوْمِ رَمَضَانَ ، أَصْبَحَ هَذَا الصَّوْمُ عِبَادَةً نَافِلَةً . فِي هَذَا السِّيَاقِ فَإِنَّ الصَّوْمَ الْأَكْثَرَ قَبُولًا بَعْدَ رَمَضَانَ هُوَ صَوْمُ يَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ ، أَيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ . لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَفْضَلُ الصِّيَامِ ، بَعْدَ رَمَضَانَ ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ” . هَذَا الْحَدِيثُ يَكشِفُ قِيمَةَ هَذَا الصَّوْمِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَعِزَّاءُ . . .
جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ فِي بِدَايَةِ خُطْبَتِنَا هُمْ حَلْقَةٌ فِي سِلْسِلَةِ أَنْبِيَاءِ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ . جِهَادُ ” التَّوْحِيدِ ” الَّذِي قَدَّمُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تُشَكِّلُ مِثَالاً لَنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ ، أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
بَادِئَ ذِي بَدْءٍ يَجِبَ أَنْ نَجْعَلَ أَخْلَاقَ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مَطْلَبُ التَّوْحِيدِ ، تُهَيْمِنُ عَلَى أَرْوَاحِنَا .وَ فِي الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، يَجِبَ أَنْ نَسْعَى لِنَشْرِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ لِلْخَيْرِ وَالْجَمَالِ وَالْحَقِّ . نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ سَنُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوَّلًا عَلَى أَنْفُسِنَا، وَلَا نَنْسَى أَنَّ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ سَيُحَاسِبُنَا أَيْضًا عَلَى مَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ مُجْتَمَعِنَا . نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّوْفِيقَ لِنَصِلَ إِلَى وَعْيِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَلِتَعْزِيزِ وَحْدَتِنَا وَتَضَامُنِنَا ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا . آمِينْ