خطبة
اَلْإِيثَارُ عَلَى النَّفْس
07.09.2023بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ وَالَّذٖينَ تَبَوَّؤُ الدَّارَ وَالْاٖيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ اِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فٖي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّٓا اُو۫تُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلٰٓى اَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌؕ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهٖ فَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَۚ ﴾
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
وَاحِدٌ مِنْ أَهَمِّ الصِّفَاتِ التِّيْ يَجِبُ أَنْ تَتَوَاجَدَ فِي الْمُسْلِمِ هُوَ السَّخَاء. السَّخَاءُ هُوَ أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ وَتُقَدِّمَ الْعَطَاءَ بِدُونِ إِسْرَافٍ، وَتَسْعَى إِلَى تَلْبِيَةِ اِحْتِيَاجَاتِ الْمُحْتَاجِينَ، وَتَفْعَلَ ذَلِكَ فَقَطْ لِمَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى. السَّخَاءُ فِي الْإِسْلَامِ يُعْتَبَرُ فَضِيلَةً كَبِيرَةً. وَأَعْلَى دَرَجَاتِ السَّخَاءِ هُوَ الْإِيثَار. اَلْإِيثَارُ هُوَ “أَنْ يُقْدِّمَ الْإِنْسَانُ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي حَاجَةٍ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ، اَلإِيثَارُ هُوَ أَنْ تُقَدِّمَ بَعْضَ خُبْزَكَ لِشَخْصٍ مُحْتَاجٍ حَتَّى وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ جَائِعًا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
أَحَدُ أَهَمِّ الْأَمْثَلَةِ عَلَى الْإِيثَارِ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ هُوَ سُلُوكُ الْأَنْصَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَالَّذِي يُشِيْرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَشْر: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. حَيْثُ أَشَادَ اللَّهُ بِالْأَنْصَارِ الَّذِيْنَ رَحَّبُوا بِالْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ وَشَارَكُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْء، حَتَّى وَإِنْ كَانُوا هُمْ فِي حَاجَة. هَذَا السُّلُوكُ الْكَرِيْمُ مَدَحَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَجَعَلَهُ نَمُوذَجًا لِلْإِنْسَانِيَّةِ جَمِيْعًا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ قَدَّمَ رَسُوْلُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا مِقْيَاسًا لِلصِّدْقِ فِي الإِيمَانِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيْفِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
يُعَلِّمُنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْإِيمَانَ الْحَقِيقِيَّ يَنْبَعُ مِنْ رَغْبَتِنَا فِي مُشَارِكَةِ الْآخَرِينَ فِيمَا نُرِيْدُهُ لِأَنْفُسِنَا. الْيَوْمَ، قَدْ لَا نَعِيْشُ فِيْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ نَعِيْشَ وَنُحْيِيَ خُلُقَ الْإِيثَارِ وَالسُّخَاءِ وَالتَّضْحِيَةِ فِي مُجْتَمَعِنَا. يُمْكِنُ أَنْ نَكُونَ أَنْصَارًا عَصْرِيِّينَ، وَنُقَدِّمَ أَجْمَلَ الْأَمْثَلَةِ عَلَى الْإِيثَارِ. بِأَنْ نَفْعَلَ الْخَيْرَ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَأَيِّ مَكَانٍ، دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْاِخْتِلَافَاتِ، وَفَقَطْ مِنْ أَجْلِ مُسَاعَدَةِ الْآخَرِيْنَ الْمُحْتَاجِيْن. إِنَّهَا تَقْدِيمُ يَدِ الْعَوْنِ لِمَنْ يَحْتَاج، تَسْلِيَةُ الْمِسْكِيْنِ، إِطْعَامُ الْجَائِعِيْنَ، وَحِمَايَةُ الضُّعَفَاء. لِتَكُنْ لَدَيْكُمْ قَلْبُ الْعَطَاءِ وَالرَّحْمَةِ. اِبْحَثُوا عَنِ السَّعَادَةِ وَالرَّحْمَةِ فِي ابْتِسَامَةِ الْمَكْلُومِيْنَ فُؤَادُهُمْ، وَعِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُم.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الطَّرِيْقَةُ الْأَسَهْلُ لِلتَّخْلُصِ مِنَ الشُّحِّ وَالْأَنَانِيَّةِ هِيَ أَنْ نَعِيْشَ مِنْ أَجْلِ بَعْضِنَا فِي سَبِيلِ رَبِّنَا. وفِي تَقَالِيدِنَا؛ العَدِيدُ مِنَ الْأَمْثَلَةِ الَّتِي تُظْهِرُ كَيْفَ أَنَّ الْإِيثَارَ يُؤَثِّرُ إِيجَابِيًّا عَلَى السَّلَامِ الْاِجْتِمَاعِيِّ وَرُوحِ الْأَخُوَّة. إِذَا كُنَّا قَادِرِينَ عَلَى تَقْدِيمِ إِخْوَانِنَا فِي اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِنَا بِجُهْدٍ فِعْلِيٍّ وَبِالدُّعَاءِ لَهُمْ، حِينَئِذٍ سَنُصْبِحُ مَحَلَّ مَدْحٍ وَثْنَاءٍ مِنَ اللَّه، وَسَنَسْتَطِيعُ نَقْلَ عَصْرِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ إِلَى زَمَنِنَا الْحَاضِر. لِذَا، فلْنُحِبَّ لِإِخْوَانِنَا مَا نُحِبُّ لِأَنفُسِنَا، وَنَكْرَهْ لَهُم مَا نَكْرَهُ لأَنفُسِنَا. اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِيكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ قُلْتَ فِيهِمْ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾. آمِين!