خطبة
اَلْآنَ وَقْتُ التَّزَاوُر
04.11.2021إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لاَ شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَائِنٌ اِجْتِمَاعِيّ. وَلَنْ يَتَمَكَّنَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَنْ يَكْتَشِفَ كَامِلَ قُدُرَاتِهِ إلاَّ فِي مُجْتَمَعٍ مَسْعُودٍ قَائِمٍ عَلَى أُسُسٍ مَتِينَة. وَمِنْ أَهَمِّ أُسُسِ الْمُجْتَمَعِ السَّعِيد؛ اَلتَّضَامُنُ الْاِجْتِمَاعِيُّ وَالْاِتِّحَاد. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْاِحْتِيَاجِ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ بَنِي جِنْسِه. وَيَبْرُزُ اِحْتِيَاجُهُ هَذَا حَتَّى فِي قَضَائِهِ لِحَاجَاتِهِ الْأَسَاسِيَّة. فَحَتَّى الْمَاءُ الَّذِي يَشْرَبُهُ وَالْخُبْزُ الَّذِي يَأْكُلُهُ وَحَتَّى الْمَلاَبِسُ الَّتِي يَلْبِسُهَا الْإِنْسَانُ، لَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ إِلاَّ ثِمَارًا لِمَجْهُودِ أُنَاسٍ آخَرِين. وَلَقَدْ نَبَّهَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ضَرُورَةِ الْاِتِّحَادِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ حِينَ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَٰنًا﴾.[1]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُرَسِّخُ الْحُبَّ بَيْنَ النَّاسِ؛ اَلتَّزَاوُرُ فِيمَا بَيْنَهُم. وَقَدْ أَوْلَى الْإِسْلاَمُ مَوْضُوعَ التَّزَاوُرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَهَمِّيَّةً كَبِيرَة. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيّ».[2]
فَيَنْبَغِي أَلاَّ نَرَى التَّزَاوُرَ عَادَةً كَسَائِرِ الْعَادَات. بَلْ إِنَّ زِيَارَاتِنَا لِأَقَارِبِنَا وَمَعَارِفِنَا هِي أُمُورٌ نَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُقَرِّبُنَا إِلَيْهِ سُبْحَانَه.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ أكَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّزَاوُرِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَة. وَرُوِيَ عَنْهُ ؐ «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ ِفي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (يَعْنِي: طَرِيقِهِ) مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيد؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي ِفي هَذِهِ الْقَرْيَة، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيْهِ؟ (يَعْنِي: تَذْهَبُ إِلَيْهِ بِسَبَبِه) قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ ِفي اللَّه، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيه».[3]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَدْ حُرِمْنَا بِسَبَبِ التَّدَابِيرِ الَّتِي فَرَضَتْهَا الْجَائِحَةُ، مِنْ زِيَارَةِ بَعْضِنَا الْبَعْض، وَمِنَ الْحَدِيثِ مَعَ بَعْض. وَلَمْ نَجِدْ فُرْصَةً لِزِيَارَةِ أَقَارِبِنَا وَأَحْبَابِنَا. لَكِنَّ هَذِهِ التَّدَابِيرَ بَدَأَتْ تَخِفُّ بِسَبَبِ ازْدِيَادِ عَدَدِ الْمُتَعَافِينَ وَالْمُلَقَّحِين. فَصِرْنَا نَتَمَكَّنُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رُؤْيَةِ بَعْضِنَا وَمِنَ التَّزَاوُرِ فِيمَا بَيْنَنَا. وَلِذَلِكَ نُطْلِقُ مَشْرُوعًا بِشِعَار “اَلْآنَ وَقْتُ التَّزَاوُر”، وَنَدْعُوكُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ تَتَزَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَكُم. فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَارَاتِ وَسِيلَةٌ إِلَى تَلاَفِي الْاِنْقِطَاعِ الطَّوِيلِ الَّذِي حَدَثَ بَيْنَنَا فِي ظِلِّ الْجَائِحَة، وَإِلَى التَّقْرِيبِ بَيْنَ الْمُتَبَاعِدِيْنَ، وَتَأْسِيسِ التَّكَافُلِ مِنْ جَدِيد، وَتَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَنَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا إِخْوَةً مُتَسَانِدِينَ وَأَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه، آمِين.
[1] سورة آل عمران: ١٠٣
[2] موطأ مالك، ٥\١٣٩٠، الحديث رقم (٣٥٠٧) (ت: الأعظمي)
[3] صحيح مسلم، كتاب البر، ٣٨