خطبة
الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِى الأَرْقَمِ
10.10.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِؕ ﴾
سورة آل عمران، ١١٠
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ ﷺَ :
« ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كتاب اللَّهِ ، ويتَدَارسُونَه بيْنَهُم ، إِلاَّ نَزَلتْ علَيهم السَّكِينَة ، وغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة ، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ ، وذَكَرهُمْ اللَّه فيِمنْ عِنده »
مسلم، ذكر ٣٨
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرٍ نَالَ شَرَفَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَائِلِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ كَانَ تَبْلِيغُ الْإِسْلَامِ مَازَال سِرًّا، وَكَانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ التَّحَرُّكُ بِحَذَرٍ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُشْرِكِينَ. كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَكَانٍ أَمِنٍ لِلتَّجَمُّعِ، وَلِلْعِبَادَةِ، وَتَعَلُّمِ وَمَعْرِفَةِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ. وَفِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ أَهْدَى الأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ مُضَحِّيًا بِمَنْزِلِهِ لِيَكُونَ مَقَرًّا لِاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ “بَيْتِي هُوَ بَيْتُك يَا رَسُولَ اللَّهِ” وَهَكَذَا أَصْبَحَ دَارُ الْأَرْقَمِ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، الَّذِي كَانَ يَقَعُ عِنْدَ سَفْحِ جَبَلِ الصَّفَا فِي الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي مَكَانٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ مَرْكَزًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَعْبُدُون اللَّهَ فِيهِ، وَيُبَلِّغُونَ النَّاسَ بِالإِسْلاَمِ. وَبِدَارِ الأَرْقَمِ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيُقَوُّونَ إِيْمَانَهُمْ بِصُحْبَةِ النَّبِيّ، وَكَانَتْ تَقْوَى عَلَاقَتَهُمْ الأَخَوِيَّةُ. وَأَصْبَحَ هَذَا الْبَيْتُ أَوَّلَ مَدْرَسَةٍ انْتَشَرَ فِيهَا نُورُ الْإِسْلَام.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِ دَارِ الْأَرْقَمِ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْمُبَارَك. سَيِّدُنَا عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ، وَحَمْزَة وَكَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُمَا آمَنُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَكَانَ لَهُمْ دَوْرٌ عَظِيمٌ فِي نَشْرِ الْإِسْلَامِ وَالْعَمَلِ بِهِ. نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ أَصْحَابَهُ الْقُرْانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَبَلَّغَهُمْ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ، وَقَوَّى إِيمَانَهُمْ. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ أَصْبَحَ دَارُ الْأَرْقَمِ مَرْكَزًا يُقَوِّي فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِيمَانَهُمْ، يَنْشُرُون الْخَيْرَ وَيُقَوُّونَ الْعَلَاقَاتِ الأَخَوِيَّة. وَبَشَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَائِلَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ بِقَوْلِه: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كتاب اللَّهِ ، ويتَدَارسُونَه بيْنَهُم ، إِلاَّ نَزَلتْ علَيهم السَّكِينَة ، وغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة ، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ ، وذَكَرهُمْ اللَّه فيِمنْ عِنده» وَبِهَذَا الْحَدِيثِ عَبَّرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهَمِّيَّةِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، وَكَيْفَ سَتَنَالُ هَذِهِ الْمَجَالِسُ رَحْمَةَ اللَّهِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
إنَّ أَهَمّ وَاجِبٍ عَلَيْنَا الْيَوْمَ هُوَ إحْيَاءُ هَذِهِ الْعَادَةِ الْقَيِّمَةِ الَّتِي وَرِثْنَاهَا مِنْ دَارِ الْأَرْقَمِ. مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَتَّحِدَ مَع إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، وَنَهْتَمّ بِمَشِاكِلِهِمْ، وَنَتَعَلَّمَ دِينَنَا. نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ فِي مُؤَسَّسَةِ مِلِّئ كُورُوش مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ نَسْتَمِرُّ فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ الْمُبَارَكَة، وَنُحَوِّلُ بُيُوتَنَا إلَى مَجَالِسِ وَحَلَقَاتِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيث. وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَهْدِيَ بَيْتَهُ لِلْإِسْلَامِ كَمَا فَعَلَ الأَرْقَمُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَجْتَمِعَ مَعَ أَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ، وَيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَبْذُلَ جُهْدًا فِي إدَامَةِ هَذَا الْفِعْلِ. خُصُوصًا مَعَ حُلُولِ فَصْلِ الشِّتَاءِ تَكُونُ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِإِحْيَاءِ هَذِهِ الْعَادَاتِ الْقَيِّمَةِ مِثْلَ حَلَقَاتِ دَارِ الأَرْقَم.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِؕ ﴾ وَوِفْقًا لِلْآيَةِ الَّتِي قَرَأْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ يَجِبُ أَنْ نَنْشُرَ الْخَيْرَ، وَنَنْهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنُحَوِّلَ بُيُوتَنَا إلَى مَكَانِ الْعِبَادَةِ كَمَا فَعَلَ الأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ؛ لِكَيْ نَكُونَ أُمَّةً صَالَحَةً .دَعُونَا لَا نَنْسَ أَنَّ بُيُوتَنَا لَا تَكُونُ فَقَطْ مَكَانًا لِلنَّوْم، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَكَانًا لِلذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ الدِّينَ كَمَا فَعَلَ الأَرْقَمُ، وَاجْعَلْ بُيُوتَنَا مَلِيئَةً بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.