خطبة
العبادة هي الحياة
21.10.2021يَا إِخْوَتِي الْكِرَامَ،
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ عَنْ سَبَبِ خَلْقِ الْإِنْسَان:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[1]
العِبَادَةُ هِيَ تَعْظِيمُ الْمَرْءِ لِمَنِ اعْتَبَرَهُ إِلـٰهًا وَاِمْتِثَالِهِ أَوَامِرَهُ. مِنْ أَوَّلِ مَا يُخْطِرُ بِالْبَالِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ مَفْهُومِ الْعِبَادَةِ فِي لُغَتِنَا اليَوْمِيَّةِ هِيَ أَعْمَالُنَا الْبَدَنِيَّة. فَالْمَعْنَى الْخُصُوصِيُّ لِلْعِبَادَةِ يَحْتَوِي عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ الأَدْيَان. وَفَوْقَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ المُتَنَوِّعَةِ الَّتِي تَشْغَلُ مَكَانًا مُهِمًّا فِي الْإِسْلَامِ هُنَاكَ مَا نُسَمِّيهِ الْعُبُودِيَّةَ وَهِيَ الوَجْهُ العَامُّ لِمَفْهُومِ العِبَادَة. فَدُخُولُ العُبُودِيَّةِ هَذِهِ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ نَرَاهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ الْفَارِقَة.
يَا جَمَاعَتِي الْعَزِيزَة،
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَرَى نِعْمَةَ الْحَيَاةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الإِنْسَانِ فُرْصَةً لِنَفْسِهِ يُؤَدِّي بِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ عُبُودِيَّة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[2] وَبِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَدْ وَهَبَنَا الْقِسْطَاسَ الْمُسْتَقِيمَ فِي الْوَعْيِ بِالعُبُودِيَّةِ. وَلَا يَسَعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي أَحْوَالِ وَظُرُوفِ الْحَيَاةِ الْمُخْتَلِفَةِ دُونَ وَعْيٍ بِالعُبُودِيَّةِ وَلَا أَنْ يُمْضِي حَيَاتَهُ فِي الشَّهَوَات. وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَبِرَ الْحَيَاةَ الَّتِي أُعْطِيَتْ إِيَّاهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَيَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُحَاسِبُهُ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْأَمَانَاتِ يَوْمًا. يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَى كُلِّ نِعْمَة. فَلَا يَعْصِيَنَّ وَيَعْتَرِضَنَّ أَحَدٌ إِذَا أَصَابَتْهُ ضَرَّاءٌ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ امْتِحَانٌ وَلْيُقَابِلْهُ بِالصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ وَلْيَحْتَسِبْ أَجْرَهُ وَجَزَاءَهُ مِنَ اللَّهِ. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُتَوَاضِعًا وَمُشْفِقًا وَرَحِيمًا، عَالِمًا بِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ فِي الْكَوْنِ خُلِقَ لِحِكْمَةٍ أَوْ لِسَبَبٍ لَا نَعْلَمُهُ، لَا مُسْتَكْبِرًا عَلَى النَّاس.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ،
الْعِبَادَةُ بِمَعْنَاهَا الْعَامِّ تَعْنِي الْعُبُودِيَّةَ وَتُسَاوِي جُزْئِيَّاتِ الدِّينِ كُلَّهَا. الْعُبُودِيَّةُ تَشْمَلُ كُلَّ مَا كَانَ عَمَلُهُ حَسَنَةً وَمَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا عُمِلَ مُخَلِّصًا لِأَوَامِرِهِ وَلِنَيْلِ رِضَاه. الْعِبَادَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُرْضى بِهِ اللَّهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَل. وَالدِّينُ يُنَظِّمُ الْحَيَاةَ وَيُحَدِّدُ لِلنَّاسِ كَيْفِيَّةَ عَيْشِهِمْ. وَبِمَبَادِئِهِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي وَضَعَهَا، يَتَدَخَّلُ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ. وَإِذَا لَخَّصْنَا الْقَوْلَ، قُلْنَا إِنَّ الْحَيَاةَ كُلَّهَا دِينٌ وَالدِّينُ كُلُّهُ عِبَادَة. أَيْ، الْعِبَادَةُ هِيَ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ هِيَ الْعِبَادَة.
يَا إِخْوَتِي الْكِرَام،
نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ مُكَلَّفُونَ بِتَمْثِيلٍ جَيِّدٍ لِدِينِنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان. نَحْمِلُ مَسْؤُولِيَّةً عَظِيمَةً لِنُصْبِحَ مُمَثِّلِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْحَقِّ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ مِنْ مَكَانِ الْعَمَلِ وَالْمَصْنَعِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ وَالسُّوق. فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرِيَ خَيْرَ وَجَمَالَ الْإِسْلَامِ لِلنَّاسِ وَنَعْتَبِرَ هَذَا عِبَادَة. يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الْمَدَنِيَّةَ الَّتِي نَسْلُكُهَا مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، سَوْفَ تُسَاعِدُ فِي غَلَبَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْض. يَنْبَغِي أَلَّا نَنْسَى أَنَّ جُهُودَنَا فِي هَذَا الْإِطَارِ هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ وَعْيِنَا بِالْعِبَادَةِ وَالْعُبُودِيَّة. فَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ عِبَادَاتِهِمْ بِحَقٍّ وَاعِينَ بِالْعُبُودِيَّةِ لِلّهِ. آمِينْ
[1] سورة الذاريات:٥٦
[2] سورة الأنعام:١٦٢