خطبة
التَّوْبَةُ مُطَهِّرَةٌ لِلْقَلْب
06.01.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مَعْنَى كَلِمَةُ التَّوْبَةِ: أَنْ يَرْجِعَ الْإِنْسَانُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي إِلَى طَاعَةِ اللَّه. وَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم. لِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّور: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[1] فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مَنِ ارْتَكَبَ ذَنْبًا أَنْ يَتُوبَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَا فَلَاحَ دُونَ تَوْبَة. فَمَا هِيَ حَقِيقَةُ التَّوْبَة؟
التَّوْبَةُ هِيَ النَّدَمُ وَالْإِقْلاَعُ عَنِ الْخَطَأِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْه أَبَدًا. التَّوْبَةُ هِيَ اعْتِرَافٌ حَقِيقِيٌّ بِالنَّدَمِ نَابِعٌ مِنَ الْقَلْب. وَكَمَا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنَ الْخَطَأِ فِي حَقِّ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَإِنَّهُ تَجِبُ كَذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ فِي حَقِّ عِبَادِهِ سُبْحَانَه.
إِخْوَتِي الْكِرَام،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ج إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾[2] وَتَرْكُ المَعَاصِي اَلَّتِي تُرْتَكَبُ بِالقَلْبِ أَهَمُّ وَأَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ المَعَاصِي الَّتِي تُرْتَكَبُ بِالجَوَارِحِ وَاللِّسَان. فَكَمَا أَنَّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ مِنْ ذُنُوبِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْكِبْرَ وَالْبُغْضَ وَالرِّيَاءَ وَالْعُجْبَ وَالْحَسَدَ وَالْبُخْلَ كَذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِ الْقَلْب. فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا فَسَدَ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّه. وَإِذَا صَلَحَ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّه. يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ»[3]
أَحْبَابِيَ الْأَعِزَّاء،
اَلَّذِي لَا يَتُوبُ مِنْ ذُنُوبِهِ، يَبْدَأُ بِالتَّعَوُّدِ عَلَيْهَا. وَذَلِكَ يُوقِعُ إِيمَانَهِ فِي خَطَر.
وَالْحَلُّ هُوَ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ. التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هِيَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ مِنَ الذُّنُوبِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهَا. فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ أَوَّلَا أَنْ يَحْمِلَ هَمَّ التَّوْبَةِ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ بِالْفِعْل. فَكُلُّ تَوْبَةٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِهَا. فَتَوْبَةُ تَرْكِ الصَّلَوَاتِ تَكُونُ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ. وَتَوْبَةُ تَرْكِ الزَّكَاةِ تَكُونُ بِإِيتَاءِ مَا فَاتَ مِنْهَا. وَتَوْبَةُ تَرْكِ الصَّوْمِ تَكُونُ بِقَضَائِهِ كَذَلِك. وَتَوْبَةُ حَقِّ الْعِبَادِ تَكُونُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا وَطَلَبِ الْمُسَامَحَةِ مِنْهُمْ. فَمَا حَالُ الَّذِي لَا يَتُوب؟ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذَلِك: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ، إِذَا أَذْنَبَ، كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُه. فَإِنْ زَادَ زَادَتْ. فَذلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي كَتَابِهِ ﴿كَلاَّ بَلْ س رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾»[4]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ،
يَنْبَغِي أَلَّا تُؤَخَّرَ التَّوْبَة. فَإِنَّ الْمَوْتَ قَدْ يُدْرِكُ أَحَدَنَا وَهُوَ لَمْ يَزَلَ يُسَوِّفُ التَّوْبَةَ. وَقَدْ يَشِيخُ فَلَا يَجِدُ وَقْتًا لِيَقْضِيَ الْفَوَائِتَ أَوْ لِيَتَصَالَحَ مَعَ مَنْ تَعَدَّي عَلَى حَقِّهم. فَإِنْ كُنَّا نُرِيدُ عَفْوَ اللَّهِ وَمَغْفِرَتَهُ وَالسَّلَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَلْنَجْتَهِدْ فِي تَرْكِ الْمَعَاصِي. فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ (رَحِمَهُ اللَّه): “طَلَبُ الْمَغْفَرَةِ وَالْعَفْوِ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ تَرْكِ الذُّنُوبِ، اِسْتِغْفَارُ الْكَذَّابِينَ» فَلْنُكْثِرْ مِنْ دُعَاءِ: «اَللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا التَّوْبَةَ»
وَمَعَ هَذَا فَلَا يَكْفِي تَرْكُنَا لِلذُّنُوبِ فَقَط، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَذَلِك. لِأَنَّ السَّبِيلَ إِلَى الجَنَّةِ يَمُرُّ مِنْ أَمْرَيْنِ: تَرْكُ الذُّنُوبِ وَعَمَلُ الصَّالِحَات.
اَللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُوَفِّقُ، فَوَفِّقْنَا إلى الخَيْرَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِين. آمِينْ
[1] سورة النور:٣١
[2] سورة الأنعام:١٢٠
[3] متّفق عليه: صحيح مسلم، كتاب المساقاة، ١٠٧؛ صحيح البخاري، كتاب الإيمان، ٣٩
[4] سنن ابن ماجه، كتاب الزّهد، ٢٩؛ مسند أحمد ٢\٢٩٧؛ والآية من سورة المطفّفين:١٤