خطبة
الإِسْلَامُ وَالْعَصْرُ الْحَدِيثُ
02.05.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ وَاُدْخِلَ الَّذٖينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرٖي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَارُ خَالِدٖينَ فٖيهَا بِاِذْنِ رَبِّهِمْؕ تَحِيَّتُهُمْ فٖيهَا سَلَامٌ ﴿٢٣﴾﴾
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: « لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي نَنْتَمي إلَيْهِ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نُدْرِكَ الهَدَفَ مِنْ خَلْقِنَا، وَأَنْ نُرَتِّبَ حَيَاتَنَا وِفْقًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. مَا دُمْنَا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ يُرِيدُ اللَّهُ مِنَّا أَنْ نَعِيشَ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَيَاتِنَا، وَأَنْ يَكُونَ رِضَى اللَّهِ أَسَاسِيًّا فِي كُلِّ قَرَارٍ نَتَّخِذُهُ فِي الحَيَاةِ؛ لِأَنَّنَا لَنْ نَكُونَ مُسْلِمِينَ وَمُؤْمِنِينَ حَقِيقِيِّينَ إلَّا عِنْدَمَا يَكُونُ إِيمَانُنَا مُتَوَافِقًا مَعَ أَفْعَالِنَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
فِي يَوْمِنَا هَذَا أَصْبَحَ فِعْلُ كُلِّ مَا يَرْغَبُ فِيهِ الإِنْسَانُ مُتَاحًا، وَأَصْبَحَتْ الدُّنْيَا وَمَتَاعُهَا ظَاهِرَةً أَكْثَرُ مِنْ الآخِرَةِ، وَالرُّوحَانِيَّاتِ، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ. مَعَ ضَغْطِ الحَيَاةِ فِي المُدُنِ قَلَّتْ وَضَعُفَتْ الْعَلَاقَاتُ بَيْنَ النَّاسِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَزَادَتْ الأَنَانِيَةُ فِي المُجْتَمَعَاتِ، وأَصْبَحَ كُلُّ أَحَدٍ يُفَكِّرُ بِمَصْلَحَتِهِ فَقَطْ. إنَّ الطَّمَعَ وَالمُبَالَغَةَ فِي حُبِّ الدُّنْيَا دَفَعَنَا إلَى السَّعْيِ وَرَاءَ الأُمُورِ المَادِّيَّةِ، وأَبْعَدَنَا عَنِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ. وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، ضَعُفَتْ الْعَلَاقَةُ وَالتَّكَافُلُ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا مَا جَعَلَنَا وَحِيدِينَ وَسَطَ الْمُجْتَمَعِ وَالنَّاسِ. وَاليَوْم، بَدَلًا مِنْ أَنْ نَكُونَ المُسْلِمِينَ الذِينَ يَسْتُرُونَ عُيُوبَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ، أَصْبَحْنَا بِوَقْتٍ يَبْحَثُ النَّاسُ عَنْ عُيُوبِ الآخَرِينَ، وَيَتَنَافَسُونَ مَعَ بَعْضِهِمْ البَعْضِ. وَبِالتَّأْكِيدِ إذَا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَتَخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ لَا نَسْتَطِيع إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. الْإِسْلَامُ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نَعِيشَ حَيَاةً صَحِيحَةً وَمَتَوَازِنَةً مِنْ خِلَالِ تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ احْتِيَاجِاتِنَا المَادِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ. وَهَكَذَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتْرُكَ الحَمَّاسَ الْمُؤَقَّتَ الَّذِي يُقَدِّمُهُ الْعَالَمُ الْحَدِيثُ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَأنْ نُحَقِّقَ الرَّخَاءَ وَالسَّلَامَ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، أَنْ نَعِيشَ حَيَاةً مُتَوَازِنَةً تَابِعَينَ لِلْقُرْانِ وَالسُّنَّةِ، وَحَيَاةً تُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى أَصْبَحَ أَعْظَمَ احْتِيَاجٍ فِي عَصْرِنَا هَذَا. وَيُبَشِّرُنَا اللَّهُ بِالْجَنَّةِ بِفِعْلِنَا هَذَا بِقَوْلِهِ: ﴿ وَاُدْخِلَ الَّذٖينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرٖي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَارُ خَالِدٖينَ فٖيهَا بِاِذْنِ رَبِّهِمْؕ تَحِيَّتُهُمْ فٖيهَا سَلَامٌ﴾
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
حِينَمَا كَانَ يَخْرُجُ الصَّحَابَةُ مِنْ بُيُوتِهِمْ لِلْكَسْبِ الْمَالَ كَانَتْ تُوصِيهُمْ زَوْجَاتُهُمْ بِقَوْلِهِنّ: “اتَّقِ اللَّهَ فِينَا وَلَا تُطْعِمْنَا حَرَامًا، فَإِنَّا نَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ وَلَا نَصْبِرُ عَلَى النَّارِ” وَهَذَا الْمِثَالُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُطَبِّقَهُ فِي حَيَاتِنَا لِنُرِيَ هَذَا الْعَصْرَ مَا يَحْمِلُهُ الْإِسْلَامُ مِنْ اهْتِمَامٍ. فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ مُسْلِمِينَ يَلِيقُونَ بِالْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِمَا نَصْرِفَ. وَبَدَلًا مِنْ اتِّبَاعِ الْمُبَالَغَةِ فِي الصَّرْفِ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَصْرِفَ بَعْدَ تَحْدِيدِ أَوْلَوِيَّاتِنا، وَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ مُتَوَاضِعِينَ وَنَتَجَنَّبَ الْإِسْرَافَ فِي أَعْرِاسِنَا، وَمُنَاسَبَاتِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّة. الْأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ نَعُوذَ بِاَللَّهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِمَا نَصْرِفُ عَلَى حَسَبِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَلَيْسَ بِشِرَاءِ كُلِّ مَا نَرْغَبُ فِيهِ فَقَطْ.
كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُ أَصْحَابَهُ دَائِمًا بِالشُّكْرِ حَتَّى فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي زَادَ فِيهَا الْفَقْرُ وَالصُّعُوبَاتُ، وَكَان يَنْهَاهُمْ عَنِ الْجُحُودِ. وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»
كَمَا أَنَّ الكَسْبَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا فِي الْإِسْلَامِ، هُنَاكَ أَيْضًا مَعَايِيرٌ لِلْحَلَالِ كَيْفَ وَأَيْنَ سُنُنْفِقُ. وَهَذِهِ الْمَعَايِيرُ سَتَتَحَقَّقُ عِنْدَمَا نُرَاعِي رِضَا اللَّهِ، وَنَتَجَنَّبُ الْحَرَامَ، وَألَّا نَبْتَعِدَ عَنِ الجِهَادِ، وَبِأَدَائِنَا العِبَادَاتِ، وَأنْ نُطِيعَ اللَّهَ، وَبِأَنْ نَجْعَلَ قِيَمَ الْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّة تُلَازِمُنَا فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
دَعُونَا لَا نَنْسَ الدُّعَاءَ لِأَهْلِ غَزَّةَ، وَتُرْكِسْتَان الشَّرْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ المَنَاطِقِ الْمُضْطَهَدَةِ فِي كُلِّ مَكَان. اللَّهُمّ انْصُرْهُمْ وَكُنْ مَعَهُمْ يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ. امِينَ.