خطبة
الإحسان
18.07.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ بَلٰى مَنْ اَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّٰهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُٓ اَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهٖࣕ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَࣖ ﴿١١٢﴾ ﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺَ قَالَ:
الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إنَّ الْإِحْسَانَ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ فَاعِلًا لِلْخَيْر لِلآخَرِينَ، وَأَنْ تَفْعَلَ عَمَلَكَ بِحُسْنٍ وَإِتْقَانٍ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿بَلٰى مَنْ اَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّٰهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُٓ اَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهٖࣕ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَࣖ﴾
هَذِهِ الايَةُ تُعَلِّمُنَا أَهَمِّيَّةَ عَمَلِ الخَيْرِ، وَتُعَلِّمُنَا السَّعَادَةَ وَالرَّاحَةَ وَالثِّقَةَ الَّتِي نَكَتَسِبُهَا مَعَ الْخُضُوعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الإِنْسَانُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ حُسْنُ نِيَّةٍ، وَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، هَذَا نَتِيجَةُ جَعْلِ الْإِحْسَانِ مَرْكَزَ حَيَاتِهِ. لِأَجْلِ أَنْ يُسَمَّى عَمَلُ الْإِنْسَانِ إحْسَانًا، يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ جَيِّدًا مَا يَفْعَلُهُ، وَلِمَاذَا وَكَيْفَ يَقُومُ بِهَذَا الْفِعْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ يُحَوِّلَ هَذَا التَّفْكِيرَ وَالْوَعْيَ إلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. وَيُشِيرُ إلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ عَلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ”
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اَلَّذ۪ٓي اَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَاَ خَلْقَ الْاِنْسَانِ مِنْ ط۪ينٍۚ﴾ بَيْنَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَةَ الْإِحْسَانِ فِي آيَاتِهِ، نَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِإِحْسَانٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَدْ بَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ بِأَجْمَلِ تَعْبِيرٍ، وَشَجَّعَنَا عَلَى أَنْ نَعِيشَ بِخُلُقِ الْإِحْسَانِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ»
وَبِقَوْلِهِ هَذَا وَضَعَ حَدًّا وَطَرِيقًا يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْلُكَه طُولَ حَيَاتِهِ. وَهَذَا الْمِقْيَاسُ هُوَ أَنْ نَعِيشَ حَيَاتَنَا بِأَنْ نَعِي أَنَّنَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
الإِحْسَانُ هُو إخْلَاصُ المُسْلِمِ فِي عِبَادَتِهِ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نُدْرِكَ أنَّنَا فِي مَعِيَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا الْإِدْرَاكُ سَيَزِيدُ الْخُشُوعَ فِي عِبَادَاتِنَا.
الإِحْسَانُ هُوَ أَنْ نَفْعَلَ أَيَّ عَمَلٍ فِي حَيَاتِنَا بِإِتْقَانٍ. إنَّ الْقِيَامَ بِعَمَلِنَا بِإِتْقَانٍ، وَمُعَامَلَةَ النَّاسِ بِشَكْلٍ حَسَن، وَمُرَاعَاةَ الصِّدْقِ فِي كُلِّ مَا نَفْعَلُ، هُوَ مَا يَعْكِسُهُ مَفْهُومُ الإِحْسَانِ.
إنَّ الْإِحْسَانَ هُوَ أَنْ نَرَى كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَنْ نُحِبَّهُمْ مِنْ أَجْلِ رِضَى اللَّهِ. الرَّحْمَةُ وَالْعَدْلُ مَع جِيرَانِنَا وَأَصْدِقَائِنَا وَمَعَ كُلِّ النَّاسِ سَوَاءٌ كُنَّا نَعْرِفُهُمْ أَمْ لَا، هَذَا مِنْ أَسَاسِيًّاتِ التَّحَلِّي بِخُلُقِ الْإِحْسَان. إنَّ تَحْقِيقَ السَّلَامِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي المُجْتَمَعِ مُمْكِنٌ مِنْ خِلَالِ نَشْرِ الْوَعْيِ بِالْإِحْسَان.
الإِحْسَانُ هُوَ إظْهَارُ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ فِي كُلِّ مَا نَفْعَلُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» الصِّدْقُ فِي تِجَارَتِنَا وَمُعَامَلَاتِنَا، وَالرِّبْحُ الْحَلَالُ، وَعَدَمُ إلْحَاقِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ مِنْ أَسَاسِيَّاتِ التَّحَلِّي بِخُلُقِ الْإِحْسَانِ.
الْإِحْسَانُ هُوَ أَنْ نَرَى حُقُوقَ الْاخَرِينَ مُهِمَّةً كَحُقُوقِنَا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» إنَّ احْتِرَامَ حُقُوقِ الْآخَرِينَ، وَالْعَدْلَ وَالِاِبْتِعَادَ عَنِ الظُّلْمِ، مِنْ أَسَاسِيًّات التَّحَلِّي بِخُلُقِ الْإِحْسَانِ.
وَخُلُقُ الْإِحْسَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، هُوَ أَنْ نَضَعَ الْإِحْسَانَ فِي مَرْكَزِ أَفَكَارِنَا، وَمُعَامَلَتِنَا، وَأَنْ نَعِيشَ عَلَى هَذَا النَّهْجِ فِي حَيَاتِنَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ أَخْلَاقِ الإِحْسَانِ فِي حَيَاتِنَا أَيْضًا هُوَ أَنْ نَعِيشَ مُدْرِكِينَ أَنَّنَا بَيْنَ يَدِ اللَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَأَنْ نُرَاعِيَ رِضَى اللَّهِ فِي كُلِّ أَعْمَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا، وَأَنْ نُحَقِّقَهَا بِإِتْقَانٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الإِحْسَانُ هُوَ خُلُقُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُطَبِّقَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَيَاتِهِ. التَّحَلِّي بِخُلُقِ الْإِحْسَانِ فِي عِبَادَاتِنَا وَأُمُورِنَا الْيَوْمِيَّةِ، وَفِي حَيَاتِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَالْقَانُونِيَّةِ يُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ أَكْثَرَ، وَيَكُونُ وَسِيلَةً لِنَيْلِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا التَّحَلِّيَ بِخُلُقِ الْإِحْسَانِ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا فِعْلَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِأَجْلِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَارْزُقْنَا الْقِيَامَ بِالصَّلَاةِ، وَكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِإِتْقَانٍ وَإِحْسَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. أَمِين.