بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِؕ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ  :« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ »

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إنّ الله سُبحانَه تعالى أرْسَلَ النبيَّ رحمةً لِلْبشريَّة وخاضِعًا لأوامرِه كما في الآية التي ذَكَرْناها في بدايةِ الخطبة. وفي آية أخْرَى قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًۭا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ). وبأمرٍ مِن اللهِ تَشَرَّفَ الرَّسولُ بوظيفةِ تَسْتَمِرُّ إلى يومِ القيامة. يَجِبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يَدْعُوَ إلى كلِّ خيرٍ يُحِبُّهُ الله، ويَأْمُرَ بالمَعروفِ الذي دَلَّ عليه الشرعُ، وحَسَّنَه العقل، ويَنْهِي عن المُنْكَرِ الذي نَهَى عنه الشرعُ وقبَّحَه العقل.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إنَّ الخيرَ الذي يَذْكُرُه اللهُ تعالى في الآياتِ يُقْصَدُ به كلُّ الأشياءِ الجميلة دِينًا وعقلًا، والتي عند تحقيقها تَضْمَنُ سَلامَ الفَرْدِ والمُجْتَمَعِ، وتَجْلِبُ السَّعادة في الدُّنيا والآخرة. بَيْنَما الشَّرُّ(المُنْكَر) عكسُ الخَيْر(المعروف) تمامًا. وبعبارةٍ أُخْرَى فإنّ كلَّ ما يُحرِّمُه القرآنُ والسُّنة يُسَمَّى شرًّا.

والأمرُ بالمعروف يَعْنِي مُحاوَلَةَ تَوْجيهِ الناسِ إلى الأشياءِ التي أحَلَّها الله. بَيْنما النهيُ عن المنكَر فَهو مُحاولةٌ لإبْعادِ الناسِ عن الأشياءِ التي حَرَّمها الله. فلِهذا السَّبب فإن الأمرَ بالمعروفِ يَعْني التَوْجيهَ إلى الخير، والنهيُ عن المنكَر يَعْني الابتعادَ عن الشَّر.

وإن نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَرَ المُسلمِينَ بمسؤولياتِهم الاجتماعيَّة بقَوْلِه: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إنّ هُوِيَّتَنا الإسلاميةَ تَمْنَعُنا مِن البَقاءِ غَيْرَ مُبالِيِينَ بالأحْداثِ التي تَدُورُ في مجتمَعِنا. مِن أبْرزِ خَصائِصِ الإنسانِ أنه كائِنٌ اجتماعيٌّ. مِن المُستحيلِ أنْ لا نَتَأثَّرَ بالجَّوِّ الاجتماعيِ الذي نَعِيشُ فيه. أنَ التفاحةَ التي بَدَأتْ بالتَعَفُّنِ في سَلَّةِ الفاكِهَة سَتُؤَدِّي أيضا إلى تَعفُّنِ التُّفَّاحِ الآخَر. وعليْنا أنْ نُدْرِكَ أنْ الخَيْرَ والشرَّ الذي في المُجْتمَعِ سَوْفَ يُؤَثِّر فينا وفي أبنائِنا. وأنَ نتيجةَ اللَّامُبالاة لَنْ تَكُونَ فَرْدِيَّةً فَحَسْب، بَلْ سَتَكُون كارِثَةً اجتماعية أيضا. فالحَسَناتُ أيضا مُعْدِيَةٌ مِثْلُ السَّيِّئات.

والمجتمع الذي يَنْتَشِرُ فيه الخَيْرُ يُصْبِحُ أفْضَل بالتَّخَلُصِ مِن آثارِ الأمْراض. فيَجِبُ ألَّا نَنْسَى أنْ الوَرْدَ نادِرًا ما يَنْمُو في الطِّينِ والمُسْتَنْقَعات. بل أنها تَنْمُو في حديقةِ الزُّهُور.

وأما نتيجةُ الخيرِ الذي سَنكُونُ وسيلةً له، والشرُّ الذي سَنَمْنَعُه تَكُونُ حَدائِقَ وَرْدٍ التي سَتُمْنَحُ لَنا في الدنيا والآخرة. قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ” مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ “

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

نحن كفردٍ من أفرادِ المسلمين فإنّ فِعلَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَر الذي سَنَقُومُ به، ليسَ أبدًا عِبادةٌ يُمْكِنُ القِيامُ بها باسْتِخْدامِ القُّوَّة أو اللُّجُوءِ إلى العُنْف. قال الله تعالى ( اُدْعُ اِلٰى سَب۪يلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّت۪ي هِيَ اَحْسَنُۜ اِنَّ رَبَّكَ هُوَ اَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَب۪يلِه۪ وَهُوَ اَعْلَمُ بِالْمُهْتَد۪ينَ). واجبُنا هو التقرُّبُ إلى الناسِ بطريقةٍ حسنةٍ والتصرفُ معهم بِلُطْفٍ وأدبٍ، وألَّا نَحْكُمَ عليهم. يَجِبُ على المسلمِ أن يَتجَنَّبَ فَضْحَ وإهانةَ مَنْ رَأى مِنْهم خَطأً ومُنكَرًا. المَرادُ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكر؛ عدمُ كسرِ القلوب، والنظَرُ إلى أعمالِ الناس وليس شخصيتَهم.

اللهم اجعلنا من عبادك الذين يُنْشِرونَ الخيرَ ويَأمُرونَ بالمعروفَ وينهون عن المنكر. آمين!

 

خُطْبَة