خطبة
إيمان المؤمن
19.09.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍۚ وَاتَّقُوا اللّٰهَؕ اِنَّ اللّٰهَ خَبٖيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٨﴾ ﴾
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺَ قَال:
« الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ. »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إنَّ الْمَوْتَ وَالْاخِرَةَ أَمْرَانِ حَقِيقِيَّان، كَمَا هُوَ حَقِيقِيٌّ وُجُودُنَا الْانَ عَلَى الْأَرْضِ. إِنَّ لِوُجُودِنَا حِكْمَةً وَغَايَةً وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهُ. لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ الْإِنْسَانَ لِيَكُونَ هَائِمًا وَغَيْرَ مَسْؤُولٍ. لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِأَجْلِ أَنْ يَمْتَحِنَنَا، وَرَزَقَنَا بِنِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ واللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَشْكُرَهُ مُقَابِلَ هَذِهِ النِّعَمِ، وَأنْ نُطِيعَ مَا أُمَرَنَا بِهِ، وَنَتَجَنَّبَ مَا نَهَانَا عَنْهُ. وَلَكِنْ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ يَعِيشُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ جَاهِلٌ لِهَذِهِ النِّعَمِ، وَيَنْسَى الْغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَبْتَعِدُ عَنْ أَوَامِرِ اللَّهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كُلُّ كَائِنٍ لَهُ عُمْرٌ مُعَيَّنٌ فِي الدُّنْيَا، وَسَيَمُوتُ يَوْمًا. كُلُّ كَائِن يَفْتَحُ عَيْنَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا سَتَكُونُ نِهَايَتُهُ الْمَوْتَ. كُلُّ لَحْظَةٍ نَقْضِيهَا فِي حَيَاتِنَا تُقَلِّلُ مِنْ عُمْرِنَا وَتُقَرِّبُنَا إلَى النِّهَايَةِ أَكْثَرَ. كَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ لَيْسَتْ وُجُودًا بِلَا مَعْنَى، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ انْقِرَاضًا يَنْتَهِي إلَى الْعَدَمِ. بَلْ الْحَيَاةُ هِيَ مَكَانٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْمَوْتُ هُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ الَّتِي نَجِدُ فِيهَا الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ مُقَابِلَ أَعْمَالِنَا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُشِيرُ إلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍۚ وَاتَّقُوا اللّٰهَؕ اِنَّ اللّٰهَ خَبٖيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
تُسَجَّلُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ مِنْ حَسَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ مُنْذُ بِدَايَةِ حَيَاتِهِمْ وَحَتَّى نِهَايَتِهِا، حَيْثُ تَقُومُ مَلائِكَةٌ كِرَامٌ بِتَدْوِينِ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْ الْإِنْسَانِ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ سَنُحَاسَبُ فِي كُلِّ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مَنْ فَعَلَ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا يَرَى جَزَاءَهُ فِي الْاخِرَةِ، وَمَنْ فَعَلَ شَرًّا يَلْقَى جَزَاءَهُ فِي الْاخِرَةِ. هَذَا هُوَ الْإِدْرَاكُ وَالْإِيمَانُ بِالْآخِرَةِ، وَهَذَا يُقَوِّي الْمُسْلِمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمٖينَ مُشْفِقٖينَ مِمَّا فٖيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغٖيرَةً وَلَا كَبٖيرَةً اِلَّٓا اَحْصٰيهَاۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراًؕ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ اَحَداًࣖ﴾
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ. وَالْعَبْدُ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاهِدَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَمُوتُ يَوْمًا وَيُحَاسَبُ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني»
إنَّ الإِيمَانَ بِاليَوْمِ الْآخِرِ، الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ فِي الدِّينِ يُكَوِّنُ الشُّعُورَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَفِي هَذَا الصَّدَدِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَحْقِيقِ جُزْءٍ قَانُونِيٍّ وَأَخْلَاقِيّ. الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، حَيْثُ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَتَزُولُ كُلُّ الْعَوَائِقِ لِمُكَافَأَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ فَعَلَهُ، وَهَذَا يُشَكِّلُ مَصْدَرَ اطْمِئْنَانٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ حُقُوقَهُمْ إنْ لَمْ تَصِلْ إليهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَبِالتَّأْكِيدِ سَيُرْزَقُونَ بِهَا فِي الْاخِرَةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ.
لِنُحَاوِلْ ألَّا نَفْعَلَ أَيَّ فِعْلٍ يَجْعَلُنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَاسَبَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلْنَعِشْ وَنَحْنُ مُدْرِكُون وَمُؤْمِنُون بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لِنَكُونَ سُعَدَاءَ مُطْمَئِنِّين فِي الدُّنْيَا، وَلِكَيْ نَحْصُلَ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ. فَلَنْسْتَعِدّ لِلْمَوْتِ وَالْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا نَعْرِفُ فِيهَا مَتَى سَيَحُلُّ أَجْلُنَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ نَحْيَا وَنَعِيشَ وَنَمُوتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَنَكُونَ مِمَّنْ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ.