خطبة
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
05.09.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فٖي رَسُولِ اللّٰهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَالْيَوْمَ الْاٰخِرَ وَذَكَرَ اللّٰهَ كَثٖيراًؕ ﴿٢١﴾ ﴾
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺَ قَالَ:
«تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
كَمَا قَرَأْنَا فِي بِدَايَةِ خُطْبَتِنَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي خُلِقَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، هُوَ قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ لِجَمِيعِ الأَجْيَالِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَلَهُ عِنْدَنَا دَوْرٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَنِ. خُلُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمِيلُ، وَحَيَاتُهُ وَسُلُوكُهُ مِثَالٌ لَا يَنْحَصِرُ بِزَمَنٍ وَلَا مَكَان. وَلَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ وَقَال: ﴿ يَٓا اَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّٓا اَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذٖيراًۙ ﴿٤٥﴾ وَدَاعِياً اِلَى اللّٰهِ بِاِذْنِهٖ وَسِرَاجاً مُنٖيراً ﴿٤٦﴾
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّة أَنْ نُجَاهِدَ كَيْ يَكُونَ الْخَيْرُ وَالصِّدْقُ هُوَ الْأَسَاسُ فِي حَيَاتِنَا. بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، وَكَانَ دَوْرُهُ أَنْ يُخْبِرَنَا بِالْخَيْرِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ. وَقَال نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الوَدَاعِ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» كَمَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُرْشِدًا وَدَلِيلًا فِي التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ لَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
«إنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ الْقُرْآنَ» كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ. الْقِيَمُ وَالْأَخْلَاقُ الَّتِي وَضَعَهَا الْقُرْانُ نَتَعَلَّمُهَا مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نُطَبِّقُهَا فِي حَيَاتِنَا. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَصَادِرَ دِينِنَا الْإِسْلَامِ بِلَا شَكٍّ هِيَ الْقُرْانُ وَالسُّنَّةُ. وَتُعَرَّفُ السُّنَّةُ فِي الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِأَنَّهَا مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ. المُحَاوَلَاتُ الْمَوْجُودَةُ الَّتِي تَهْدِفُ لِلتَّقْلِيلِ مِنْ شَأْنِ السُّنَّةِ وَالدِّينِ، لَا مَصِيرَ لَهَا غَيْر الْفَشَلِ كَمَا فَشِلَتْ فِي الْمَاضِي.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَنْبَغِي أَنْ نَتَعَلَّمَ سُنَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُطَبِّقَهَا فِي حَيَاتِنَا، وَنَكُونَ مِثَالًا وَقُدْوَةً لِكُلِّ مَنْ حَوْلَنَا. لَا يَنْبَغِي أَنْ نَكْتَفِيَ بِمَعْرِفَةِ نَبِيِّنَا فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْذُلَ جُهْدًا لِنَعِيشَ مِثْلُهُ، وَأنْ نُجَاهِدَ مِنْ أَجْلِ خَيْرِ وَسَلَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا وَرَؤُوفًا مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ لَطِيفًا مَعَ زَوْجَاتِهِ فِي تَعَامُلِهِ مَعَهُنّ، وَكَان يُسَاعِدُهُنّ دَائِمًا، وَكَانَ صَدِيقًا وَأَمِينًا مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا. نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الضَّيْفَ كَثِيرًا جِدًّا، وَكَانَ يَخْدِمُهُمْ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَتَعَامَلُ بِنَفْسِ التَّعَامُلِ مَعَ الَّذِينَ يَزُورُونَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. لَمْ يَقُلْ لِأَحَدٍ أَيَّ قَوْلٍ سَيِّئٍ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ يَجْرَحُ بِهِ أَحَدًا، وَلَمْ يَزْجُرْ أَحَدًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ. عِنْدَمَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَبَدَأ يَرْتَعِشُ مِنْ الْخَوْفِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعًا: «هَوِّن عَلَيْكَ، فإني لَسْتُ بملِكٍ، إنما أنا ابنُ امْرَأةٍ مِنْ قُرَيْش كَانَتْ تَأْكُلُ القَدِيدَ»
هُوَ كَانَ صَادِقَ القَوْلِ. لَا يَرْجِعُ أَبَدًا مِنْ قَوْلِهِ وَعَهْدِهِ، وَلَا يُحِبُّ الْكَاذِبِين. لَمْ يَنْتَقِمْ مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كَانَ يُفَضِّلُ التَّسَامُحَ. حِينَمَا كَانَ يُهَاجِرُ إلَى الْمَدِينَةِ أَدَّى أَمَانَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ كُلَّهَا لِأَصْحَابِهَا. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ حَيَاتِهِ مِثَالًا وَقُدْوَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ. لَيْسَ فَقَطْ بِالْكَلَامِ، بَلْ بِالْأَفْعَالِ أَيْضًا كَانَ يُظْهِرُ ذَلِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ عَلَى نَهْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُون قُدْوَةً لِلدِّينِ وَلِلْإِسْلَام.